178

سألت الآنسة فلود-بورتر الكبرى: «ألا تجدين أمر تلكما العروسين غريبا؟ أعلم أنه لم يستقل قطار فينيسا لأني بحثت عنه. لقد نزلت هي من القطار في ميلان، وحدها.»

أومأت السيدة بارنز برأسها. «أجل، أعلم أن زوجي لن يحب أن أقول ذلك، لكن الأمر يجعلني أتساءل إن كانا متزوجين حقا.»

قالت الآنسة روز باستهزاء: «بالطبع ليسا متزوجين. أنا سعيدة للغاية لأننا لم نخالطهما. إن رفعت دعوى طلاق فيما بعد فلربما استدعينا للشهادة.»

وافقتها أختها: «بالضبط، وهذا يبين كيف يجب على المرء أن يتوخى الحذر عندما يكون مسافرا خارج البلاد. نحن دائما نلتزم بقاعدتنا، وهي ألا نتدخل في شئون الآخرين أبدا.»

ابتسمت آيريس بمرارة عندما سمعت نبرة الفضيلة المتيقظة التي حملها صوتاهما؛ إذ ذكرتها بما كابدته نتيجة لسياسة الانعزال الشديد التي يتبعانها. هزت كتفيها وأدارت ظهرها لمشهد الوداعات الحارة لتستعيض عنه بخطوط الأشعة الدقيقة البيضاء - تشبه أضواء كشافات لا تعد ولا تحصى - التي تبثها الشمس عبر السطح الزجاجي.

مع أنها كانت لا تزال مضطربة، شعرت بأنها منحت حياة جديدة، وأنها ممتنة إلى عودتها وإلى بقائها على قيد الحياة. فيما كان هير يحوم حول كومة من الأمتعة عادت بذاكرتها إلى الرحلة. كانت ذكرياتها باهتة، تتخللها فجوات عديدة.

فقدت الوعي في ترييستي عندما انهار جسدها تماما، ولم تدر بمحيطها حتى صارت على متن القطار الإيطالي الذي انطلق يشق الظلام. سيدة ما، لها عينان سوداوان براقتان كانت تعتني بها، فيما كان هير يجيء ويذهب. كانت نائمة معظم الوقت، لكن كلما استيقظت كانت تشعر بالسعادة.

كانت المقصورة تعج بركاب آخرين، جميعهم يصيحون ويدخنون ويلوحون بأيديهم. لم تفهم كلمة واحدة مما يقال، لكنها شعرت أنها متآلفة ومتناغمة تماما معهم جميعا. كان ترقب جمع الشمل المبهج يغمر العالم سعادة. زال حاجز اللغة، فلم يعودوا أبناء جنسيات مختلفة، بل أبناء عالم واحد تجمعهم المشاعر المشتركة.

في الصباح، اكتشفت راكبة أخرى في المقصورة، سيدة ضئيلة باهتة الملامح في خريف عمرها، لها وجه صغير تملؤه الخطوط وعينان زرقاوان.

هللت آيريس فرحا وهي تعانقها. «آنسة فروي. يا لك من قاسية مريعة لتسببي لي كل ذلك العناء! أوه، يا عزيزتي.»

صفحه نامشخص