في الواقع، كان النادل الأشقر صاحب قلب من ذهب، ويد تهتز غريزيا كعصا العرافة في اتجاه أي مصدر للبقشيش. كان ليجد وقتا ليحضر لها بسرعة كوب الحساء الذي طلبته مهما كان منشغلا، لكن الشيء الوحيد الذي منعه هو أنه لا يعرف شيئا عن طلبها.
كمعظم أقرانه من الريفيين، كان يتقن اللغات بطريقة التبادل بين أبناء العائلات من جنسيات مختلفة. كان طموحا، فرأى أن اكتسابه للغة إضافية قد يرجح الميزان في كفته عندما يتقدم لوظيفة؛ لذا تعلم الإنجليزية من معلمه الذي تعلمها بدوره من كتاب صوتيات.
اجتاز النادل، الذي كان تلميذا فطنا، اختبارات مدرسته، وصار قادرا على أن يثرثر بسيل من العبارات الإنجليزية، لكن في المرة الأولى التي سمع فيها بريطانيا يتحدث اللغة، لم يكن يستطيع فهمها.
لحسن الحظ، كان السياح الإنجليزيون نادرين، وكانوا يقتصرون في أغلب حديثهم معه على متطلباتهم التي تخص وجباتهم. كانت أذناه قد بدأتا تعتادان الأمر؛ لذا نجح في الاحتفاظ بوظيفته بالحيلة وببراعته في التخمين.
عندما رأى سيجارة الآنسة روز غير المشعلة، خمن أنها تريد أعواد ثقاب، كما أن صوتها كان مرتفعا، وكانت مقتضبة في حديثها.
لكنه ذاق هزيمته على يد آيريس؛ فصوتها المبحوح وكلماتها غير المألوفة غلباه تماما. بعد تجربته الأولى الموترة للأعصاب، لم يسعه إلا أن يتراجع لإجابته التلقائية: «أجل سيدتي.» ويهرع للاحتماء بساتر.
قبل أن يعود الركاب الآخرون إلى المقصورة، جاء آيريس زائر آخر؛ البروفيسور. نزع نظارته كي يلمعها بتوتر، فيما بدأ يشرح طبيعة مهمته. «لقد تحدث إلي هير، وهو قلق بشأنك بصدق. لا أريد أن أثير قلقك. بالطبع أنت لست مريضة - أعني أننا لا نجزم بمرضك - لكننا نتساءل ما إذا كنت قادرة على متابعة الرحلة وحدك.»
صاحت آيريس بذعر: «بالطبع أنا قادرة على ذلك. أنا بصحة جيدة، ولا أريد أن يقلق أحد بشأني.» «لكن إن تردت صحتك لاحقا، فستضعين نفسك وتضعيننا جميعا في موقف حرج. لقد كنت لتوي أناقش ذلك الأمر مع الطبيب، وقد قدم لي اقتراحا من شأنه إنقاذ الموقف.»
صمت فبدأت نبضات قلبها تتسارع في خوف، إذ استشفت بحدسها ماذا سيكون الاقتراح.
تابع البروفيسور قائلا: «سيصحب الطبيب مريضة إلى مستشفى بترييستي، وقد عرض أن يتأكد من وصولك بأمان إلى دار رعاية أوصى بها لتبيتي الليلة فيها.»
صفحه نامشخص