وتمت مراسيم الزواج بسرعة غير عادية، واحتفل به في القصر احتفالا يليق بعظمة الملك أمنحتب الثالث وولعه بمتع الحياة. ومضت بي تي إلى الحجرة المذهبة، وهمست في أذني بكلماتها المفيدة، وأجلستني على السرير الذهبي في ثوب شفاف يتجلى تحته جسمي العاري. ولاح في الباب ولي العهد والمشاعل في الأركان تزهر. نزع شملته عن وزرة شفافة، وأقبل نحوي في خفة يطل من عينيه الشغف العذب. أوقفني فوق السرير، وضم ساقي إلى صدره، وهمس في أذني: أنت شمس حياتي.
وكان ينعم روحي بنوره، أما جسدي فقد تقلص وانكمش أمام منظره الغريب. وراح يقول بصراحة عجيبة: أحببتك في عيد الجلوس، هرولت إلى أمي وصارحتها برغبتي في الزواج منك.
وضحك بسرور، ثم واصل حديثه: أنكرت علي رغبتي في الزواج من فتاة لا يجري في عروقها الدم الملكي، فقلت لها: «وأنت كذلك يا أمي.» فتظاهرت بالغضب، ولكنها استدعتك إلى مقابلتها، ثم زفت إلي موافقتها ...
وتذكرت ما ادعت من أنها صاحبة الفكرة وداريت ابتسامة. وكان علي أن أتكلم، وأن أقول قولا صادقا، فقلت: لقد آمنت بإلهك وبك من قبل أن أراك.
فهتف بحبور: على لسان آي، أليس كذلك؟ إنك أول من آمن يا نفرتيتي. فقلت وأنا أدفع عن نفسي اللحظة الحرجة ما استطعت: سأكون أول من يترنم بنشيد الإله في معبده. - أعدك بذلك.
ثم لثم شفتي وهمس: ولكن عليك أن تنجبي وريثا لعرش الإله!
وتلاشت مشاعري القدسية، فلم يبق محلها سوى الحياء والضيق. ومضت الحياة بنا كزوجين ومؤمنين. أما عن حياتي الروحية فقد تلقيت منه مددا لا يفنى أترع قلبي بالنور، حتى توقعت أن يكلمني الإله كما يكلمه، وأن يكرم نصف رمزه بما يكرم به نصفه الآخر. أما جسمي فكان يتجلد في كآبة وصمت. وحلت به الثمرة، فتوعكت صحتي وتغير لوني، وعبث القادم بي، عبث برشاقة جسمي الجميل. وكان مولاي يعيش في الحقيقة، ويكرس ذاته للحقيقة، ويتحدى كافة القوى من أجل الحقيقة، ولا يمقت رذيلة كما يمقت الكذب والكاذبين، فساءلت نفسي في قلق كيف أجيبه لو خطر له يوما أن يسألني «أتحبينني يا نفرتيتي؟» لن أجد الشجاعة للكذب عليه. وفضلا عن ذلك فقد تعلمت منه أن أحب الحقيقة وأن أكره الكذب. وأعددت إجابة على سؤاله المحتمل، وهي أن أقول له: سيجيء الحب في وقته، فمعذرة؛ لأنني أكره الكذب مثلك.
وهي إجابة ربما تلاشت معها أحلامي، وأقصتني عن المجد والنور، ولكنه لم يطرح ذلك السؤال قط، فظل من هذه الناحية على غموضه وظللت على قلقي. ويوما استدعتني الملكة تيى إلى استراحتها، وراحت تتفحص جسدي باسمة ثم قالت: اعتني بنفسك؛ ففي بطنك تدب حياة ستنضم عاجلا إلى تاريخ هذا الوطن.
فلمست في قولها إشارة إلى انتظار ولي العهد، فقلت: صلي من أجلي يا مولاتي.
فقالت بثقة: أمامك عمر طويل.
صفحه نامشخص