فقال بلا مبالاة: امرأة جميلة خلقت لاحتراف الدعارة، فشاء حظها أن تمارس هوايتها في عشق الرجال من فوق العرش، ولا تصدق ما يحتمل أن تسمعه عن كفاءتها كملكة؛ فلو كان بعضه حقا لا كله ما سقطت البلاد في عهدها في هوة الفساد والخراب، وقد تخلت عنه في اللحظة التي فقد فيها نفوذه، ولكنها خابت في ركوب السفينة الجديدة!
محو
زرته في قريته جنوب طيبة يعيش من الزراعة بعد أن كان رئيسا لشرطة إخناتون في أخت آتون. وهو في الأربعين من عمره، غليظ القسمات واضحها، قوي البنيان، تطل من عينيه الصغيرتين نظرة حزينة. ولما قرأ رسالتي شبك أصابعه فوق رأسه داعيا بحسرة ذكريات تولت، وأنشأ يقول: جفت ينابيع السرور من بعده، سامحتك الآلهة يا مصر!
بدأت علاقتي به بطريقة لا تتكرر ولا يحلم بمثلها أمثالي. كنت جنديا من حرس القصر الفرعوني، وكنت ألمحه في الحديقة من بعيد. وذات صباح رأيته مقبلا نحوي كأنما اكتشفني لأول مرة، فتحولت إلى تمثال بين يديه. نظر إلي طويلا حتى شعرت بنظرته تجري مع دمي وتتردد مع أنفاسي. وإذا به يسألني: ما اسمك؟ - محو. - من أي مكان أنت؟ - من قرية فينا. - صناعة أهلك؟ - فلاحون. - لماذا اختارك حور محب في الحرس؟ - لا أدري. - إنه يختار الشجعان.
فانتفض قلبي سرورا ولم أنبس، فقال بثقة: إنك شاب صادق يا محو.
فطرت من الفرح ولزمت الصمت، وإذا به يسألني: أتقبل صداقتي؟
فتلاشى عقلي من الذهول وتمتمت: ما أرفع هذا الشرف عن متناولي!
فمضى باسما وهو يقول: سنلتقي كثيرا أيها الصديق.
تلك واقعة حقيقية، فهكذا كان يختار رجاله. وترامت إلينا أنباء عن عبادته لآتون، وتجلي إله جديد له، كما عزفت على كثب منا أناشيده. وتفتح قلبي لكل ما يجيء منه. جذبني إليه سحره النفاث وحبي العميق له. لعلي لم أفهم مما سمعت إلا القليل، ولعلي تحيرت طويلا أمام إلهه الغامض الذي لا يتجسد في تمثال، ويعامل الناس بالحب دون العقاب، ولعلي لم أكفر بآمون، ولكني آمنت حبا في مولاي، خير البشر وأعذبهم وأرحمهم. عاش في الحب للحب، لم يصدر عنه أذى لإنسان أو حيوان، لم يلوث يده بدم، ولم يعاقب مذنبا. ولما اعتلى العرش استدعاني وقال لي: لا ألزمك بشيء تكرهه يا محو، وسيجري رزقك هنا أو هناك، فهل ترغب في إعلان إيمانك بالإله الواحد الذي لا إله غيره؟
فأجبت دون تردد: أعلن إيماني بالإله الواحد يا مولاي، وأعلن استعدادي للموت في سبيله.
صفحه نامشخص