وحول إخناتون عينيه إلي فشعرت بأنني أغوص في أعماق الجحيم، ولكنني قلت: إنه السبيل الوحيد للدفاع عنك وعن عقيدتك.
فقال الملك بأسى: اذهبوا بسلام.
ولكن حور محب قال: بل نترك لك مهلة للتأمل.
وغادرت قاعة العرش مع من غادرها وأنا أعاني من وخز قلق لعله لم يفارقني حتى اليوم. وفي أيام متقاربة تلاحقت أحداث خطيرة. هجرت نفرتيتي القصر الفرعوني، واعتزلت في قصرها شمالي أخت آتون. وقابلتها مستطلعا، ولكنها قالت لي بإيجاز غامض: لن أغادر قصري حتى الموت.
وأبت أن تضيف كلمة إلى ذلك. أما إخناتون فقد أعلن جلوس أخيه سمنخ رع شريكا له على عرشه، غير أن كهنة طيبة بايعوا توت عنخ آمون الأخ الثاني ملكا، معلنين بذلك عزلهم لسمنخ رع وإخناتون نفسه. وبدا أنه لا خيار؛ فإما التسليم بالأمر الواقع وإما الحرب. وقابل حور محب الملك فوجده مصرا على موقفه، وقال له: لن أخون إلهي، وهو لن يخذلني، سأصمد في مكاني ولو وحدي ...
فقال له حور محب: نستأذنك يا مولاي في هجر أخت آتون والرجوع إلى طيبة؛ بذلك تعود الوحدة للبلاد ويختفي شبح الخراب، وأتعهد لك بأنه لن يمسك الأذى حيا أو ميتا، وما دفعنا إلى ذلك إلا الرغبة في إنقاذ البلاد وإنقاذك.
فقال إخناتون وهو يشتعل بالإصرار والحماس: افعلوا ما بدا لكم، لن ألومكم على ضعف إيمانكم، ولست في حاجة إلى حماية أحد؛ فإلهي معي، وهو لن يخذلني ...
ونفذنا قرارنا في وجوم وحزن، وسرعان ما اقتدى بنا أهل المدينة حتى خلت من الأحياء، إلا إخناتون في قصره، ونفرتيتي في قصرها، ونفرا من الحراس والعبيد. وما لبث أن غزا المرض الجسد الذي لم يعرف الراحة مذ شب على قدميه، فمات وحيدا، وكان يغمغم وهو يحتضر:
يا خالق الجرثومة في المرأة،
وصانع النطفة في الرجل،
صفحه نامشخص