[القدرة قبل الفعل]
والقدريون المفترون يكرهون أن ينسبوا الضلالة إلى أنفسهم والفواحش، ولا يقرون أن الله جل ثناؤه ابتدأ عباده بالهدى ولا بالتقوى، قبل أن يصيروا إلى هدى أو تقوى، خلافا لقوله، وردا لتنزيله، وإبطالا لنعمه، وهو يقول جل ثناؤه: { فاتقوا الله ما استطعتم } [التغابن:16]. يأمرهم بالتقوى إذ كانوا لها مستطيعين، فلو لم يكن لهم عليها استطاعة لما أمرهم بها، ولو كانت استطاعة لغيرها لم يجز أن يقول { اتقوا الله ما استطعتم }، إذ كانت الإستطاعه لغير التقوى. وقال جل ثناؤه: { خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه } [البقرة:63]. {يا يحيى خذ الكتاب بقوة } [مريم:12]. فقد أمرهم أن يأخذوا لأن الأخذ فعلهم، والأمر والقوة فعل ربهم، فلم يأمرهم جل ثناؤه أن يأخذوا، حتى قواهم على ذلك قبل أن يأخذوا.
وكذلك قال في الصيام: { وعلى الذين يطيقونه فدية } [البقرة:184]. يعني: على الذين يطيقون الصيام ولا يصومون فدية، ونحو ذلك مما في القرآن. وذلك كله دليل على أن القوة قبل الفعل، إذ كان الفعل لا يكون إلا بالقوة، وكلما كان بشيء يكون، أو به يقوم، فالذي يكون الشيء أو يقوم به فهو قبله، كذلك الأشياء كلها بالله جل ثناؤه كانت وبه قامت، وهو قبلها. فكذلك القوة فينا قبل فعلنا، إذ كان فعلنا لا يكون ولا يقوم ولا يتم إلا بها، وكذلك يقول الناس: بقوة الله فعلنا. لاكما تقول القدرية المشبهون: إن الله جل ثناؤه لم يبتدئ العباد بالقوة! فأنعم عليهم بها قبل فعلهم! ولكنها كانت منه مع فعلهم.
صفحه ۲۵۸