59

عذراء قريش

عذراء قريش

ژانرها

فسري عن محمد إذ رأى في ذلك دليلا على بقائها على عهده، وقال: «أظنها حزينة على أبيها فإنه قتل في دار عثمان، وأرى أن نخرج بها لتحضر مجلس أبيك وحديث القوم في أمر البيعة لعلها تشغل بما تراه هناك عن أحزانها.»

قال: «وكيف تجالس الرجال؟» قال: «أرى أن تذهب متنكرة.»

وكان الحسن أشد ميلا من محمد إلى اصطحابها، ولا يدري ما يخالج قلب محمد فقال: «لقد رأيت صوابا.» وذهب لاستقدامها، وما لبث أن عاد وهي معه وقد تنكرت. فلما رآها محمد حياها وهو ينظر إلى وجهها نظرة لا يفقهها إلا من عانى الحب والغيرة، ولبث ينظر إلى ما يبدو منها فأبرقت أسرتها حالما وقع نظرها عليه، فسري عنه وقال لها: «أظنك تودين حضور مجلس مولاي أبي الحسن؟»

قالت: «كيف لا وأنت تعلم ما يجول في خاطري؟!» فأدرك محمد أنها تشير إلى حبها، فوثق من أنها باقية على عهده فقال: «إذا فرغنا من هذا المجلس سلمت لك جوادك ومتاعك الذي كان لك في منزل عثمان، وقد وعدتك أن أحتفظ به.»

فأثنت عليه، وأشارت بعينيها إشارة فهم محمد منها مرادها والحسن لا يشعر.

ثم قال الحسن: «هلم ندخل إلى أبي قبل حضور الناس عنده.» فدخل هو أولا، ثم دخلت هي ومحمد. •••

وعندما دخلت أسماء وهي في لباس الرجال حسرت بعض اللثام وهمت بتقبيل يد علي، وكان جالسا فوق وسادة وعليه إزار وطاق وعمامة خز وقد ازدادت هيبته، وأرسل عمامته إلى الوراء حتى ظهرت صلعته، ثم أخذ يمشط لحيته بأصابعه وعيناه الدعجاوان تتلألآن في وجهه والذكاء ينبعث منهما. فلما رأى أسماء مقبلة ابتسم وحياها وسألها عن حالها، فقالت: «إني بفضل مولاي في خير وعافية.»

قال: «إن كلامك يا بنية ما زال يرن في أذني مذ جئتنا قبل مقتل عثمان - رحمه الله - فقد قلت: «إن في مقتل الخليفة إيقاظا للفتنة.» وأراها استيقظت وأنك كنت على صواب.»

قالت: «إن الفتنة لتستحيي من ابن عم رسول الله فتعود إلى نومها إذا هو قبض على زمام الخلافة.»

فأعجبه أسلوبها وحدة ذهنها، ودعاها إلى الجلوس وهو يقول: «أراك خلعت زي النساء ولبست زي الرجال يا أسماء.»

صفحه نامشخص