48

عذراء قريش

عذراء قريش

ژانرها

وعادت أسماء وهي تفكر في محمد وخافت أن تكون غيرته من مروان قد حملته على مناهضة عثمان، فأرادت أن تتحقق من نيته وهي في دار عثمان فإذا أراد سوءا بعثمان حولته عن عزمه، لأنها أصبحت بعد سعيها في نجاة عثمان تضن بحياته كثيرا.

وكانت نائلة قد مكثت في البيت بعد ذهاب أسماء وهي على مثل الجمر والليل قد أسدل نقابه، فجلست تنتظر عودتها وهي تضمر لها كل خير إذا جاءتها بالفرج. وبينما هي في ذلك والغوغاء قد تكاثروا على الدار خطر لها أن تذهب إلى زوجها تستطلع حاله، فخرجت ودخلت عليه في حجرته فرأت مروان خارجا من عنده فاستعاذت بالله من رؤيته. أما هو فاعترضها قائلا: «لا تدخلي على الخليفة إنه في شغل شاغل عنده، فارجعي إلى بيتك.» قال ذلك وهو لا يكاد يخفي اضطرابه، فأذعنت لأنه كاتب الخليفة وحامل أختامه، فرجعت وهو يتبعها حتى وصلت إلى حجرتها، فدخل معها ونظر في جوانب الغرفة فلم ير أسماء فقال: «وأين أسماء؟» قالت: «ستأتي عما قليل.»

قال: «هل خرجت من الدار؟» قالت: «لا، ولكنها مشغولة ولا تلبث أن تعود. فاصدقني خبر الخليفة، ما باله؟ وما الذي شغله الآن؟»

قال: «لم يشغله شيء ولكنه يصلي والقرآن بين يديه.» فصدقته وصمتت. أما هو فأعاد السؤال عن أسماء فقالت: «قلت لك إنها لا تلبث أن تجيء.» فتركها.

ولبثت هي تنتظر عودة أسماء بصبر نافد، مخافة أن يعلم مروان بخروجها فيصيبها من ذلك سوء. ولم تكد تجلس حتى سمعت ضجيجا في صحن الدار، فأطلت فرأت جماعة داخلين وفيهم الحسن والحسين وأبناء الصحابة، فخافت أن يكون في قدومهم شر، ولكنها ما لبثت أن سمعت الحسن يكلم أهل المنزل ويهدئ من روعهم ويقول: «لا تخافوا، إننا جئنا للذب عن الخليفة.» فأدركت أنهم إنما جاءوا بمسعى أسماء، وبعد هنيهة رأت أسماء قادمة وهي تخفي نفسها فاستقبلتها باسمة واستطلعتها الخبر، فطمأنتها وقالت: «إن الصحابة أرسلوا أبناءهم للدفاع عن الخليفة وإرجاع الناس عن بابه.»

فسرت نائلة وهدأ روعها وشعرت بفضل أسماء عليها واعتزمت أن تسعى في إنقاذها من مروان، فاحتالت في الدخول على الخليفة فإذا هو جالس والقرآن بين يديه يقرأ أو يصلي صائما ولا يلتفت يمينا ولا يسارا، فدنت منه بخفة فانتبه لها وقال: «ما الذي جاء بك يا نائلة؟» قالت: «إنما جئت أفتقد أمير المؤمنين وأبلغه أن في الدار الحسن والحسين وجميع أبناء الصحابة، وقد جاءوا بعدتهم يدفعون الناس عن بابنا.»

فقال وهو لا يزال ينظر في صفحات القرآن: «لا حاجة بي إلى من يذب عني، ولا أريد أن يهرق من أجلي محجب من الدم.» قال ذلك وعاد إلى القراءة فعجبت نائلة لذلك، وأرادت أن تذكر أسماء لديه فلم تر سبيلا إلى ذلك، فعادت إلى غرفتها وقضت تلك الليلة لم يغمض جفناها وأسماء تعزيها وتشجعها، ولولا ذلك لماتت قلقا ورعبا فقد كانت تسمع الغوغاء حول الدار عند بابها ولا تجرؤ أن تطل.

أما أسماء فلما علمت بعودة مروان من سفره هرولت إلى حجرتها لئلا تراه. وبات أبناء الصحابة ليلتهم وهم يهددون الواقفين عند الباب طورا وطورا يتوعدونهم. وكل أهل الدار في اضطراب وقلق إلا عثمان فإنه قضى ليلته يقرأ القرآن ويصلي.

وفي الصباح التالي استيقظت أسماء على صوت مروان في غرفتها ونائلة جالسة بجانبها، فجلست واستعاذت بالله. فقال لها مروان: «ما الذي خرج بك من هذه الدار؟» فقالت: «وما شأنك وخروجي أو دخولي؟»

قال: «كيف لا وأنت امرأتي؟!» فأجفلت أسماء وصاحت: «خسئت يا نذل! لا أعرفك ولا أريد أن أعرفك، دع عنك هذا الهذيان.»

صفحه نامشخص