فهمت أسماء بتقبيلها وهي تحاول حبس الدمع، فضمتها مريم إلى صدرها بقوة لم تكن أسماء تعهدها فيها وعانقتها، فتساقطت دموع أسماء برغم إرادتها ثم أحست بدموع أمها تتساقط على عنقها سخينة تمازج ذلك العرق البارد، وأشفقت بعد ذلك عليها فنهضت وتجلدت وقالت: «لا بأس عليك يا أماه! فهل تطلبين عليا لتكلميه في شأني؟»
قالت: «نعم، وفي شأن آخر هو سر حرصت على كتمانه أعواما، وقد آن لي أن أبوح به.»
فقالت: «ما العمل إذن؟» قالت: «استقدموه إلي، قولوا له إن امرأة على فراش الموت تلتمس لقياك لتنبئك سرا وتشكو إليك أمرا.»
فخرجت أسماء إلى صحن الخيمة فرأت يزيد ومروان واقفين بإزاء نخلة كأنهما يتساران، فلما رأياها أسرعا معا وقالا: «كيف حال أمك؟ لعلها في خير»، قالت: «إنها أفاقت وطلبت أن ترى عليا بن أبي طالب.»
قال يزيد: «وكيف تراه الآن وهو في المدينة؟»
قالت: «لقد طلبت استقدامه إليها بإلحاح.»
قال مروان: «استقدامه؟! ومن يستطيع ذلك؟!»
قالت: «لا أراه يأبى المجيء إذا قيل له إن امرأة تحتضر تلتمس مقابلته، فإنه على خلق عظيم.»
قال: «لا شك في عظم خلقه، ولكنه الآن في شغل شاغل بأمر المسلمين واختلافهم في شأن الخليفة!»
ولما لاحظ استغرابها ما ذكره، أخذ في توضيح الأمر فقال: «سمعت قبل خروجنا من الشام أن أهل الأمصار ناقمون على عثمان إيثاره ذوي قرابته فيولي العمال منهم ويعزل الذين ولاهم أسلافه، كما علمت أن أهل مصر خرجوا يلتمسون المدينة ليشكوا أمرهم إلى علي لعله يحكم فيما بينهم وبين عثمان، وكذلك أهل البصرة وأهل الكوفة. وأظنهم وصلوا إلى المدينة الآن، فلا يستطيع علي تركهم والمجيء إلى هنا.»
صفحه نامشخص