وأجلها هذا السلوك
إن الشهامة خير ما
حملت مع التاج الملوك
وكان المعبد قد لاح للقوم، فامتنعوا عن الكلام وخرجوا من مقام ليدخلوا في مقام. حتى إذا وصلوا استأخر الحرس ينتظر على بعد، وترجل الأمير وصاحباه، وكان رئيس الكهنة قد خف في جماعته لاستقباله، فبالغوا له في التحية ووفوه إكباره وإجلاله، ثم دخلوا به، فما زالوا يتنقلون بين أفنية المعبد وإيواناته وصحونه وطرقاته، ودهاليزه ورواقاته، ومقاصيره وحجره حتى جاءوا المحل الأقدس للمعبد، وهي الحجرة الخاصة بالأمير لا يطرقها سواه، ولا يدخلها على «آمون» إلاه، وهنالك استأخر الكهنة ينتظرون، ودخل الأمير فاستقبل مثال الإله «آمون»، ثم خر جاثيا ويقول في دعائه: «آمون» يا محبوب الرماسسة ومحبهم، ويا أباهم وربهم، ولواءهم وحزبهم، أنت العلوم والأسماء، وأنت الحقيقة الزهراء، الواحدة الشماء، منك الأرض، ومنك السماء، وإليك العوالم والأشياء. هذه خمسون من اللؤلؤ المكنون، الذي أخرج بحر علمك الزخار، قبل أن تخلق البحار، وجاورك قبل جوار الماء والتيار، فاستعار فاستنار واستدار، وصار إلى ما إليه صار. أزلفها لك قربانا، وأقربها شكرانا، ورضى وامتنانا، وأسألك القبول يا خير مسئول.
ثم لما فرغ من دعائه تقدم إلى المثال العالي، فوضع ذلك العقد الغالي على صدره الحالي، المتلألئ المغشي باليواقيت واللآلي. وبعد ذلك وقف كالمريب يجيل طرفه في جوانب الغرفة، وإذ أيقن أنه محجوب عن العيون، وأن لا رائي ثم إلا «آمون»، عمد إلى أحد الصناديق السرية، وكانت ثلاثة، وكانت خاصة بالأمير ففتحه ونظر، فإذا في درجه الأسفل ورقة، وكانت مكتوبة بقلم سري مصطلح عليه فأخذها فقرأ:
أخبار اليوم
ليأخذ الأهبة والعدة مائة من أبطال الحرس، وليكونوا من أول الليل في الصحراء، بالقرب من مدخل طريق الخفاء، وليقيموا هنا إلى ما بعد منتصف الليل، فإن سمعوا في هذه المدة ضرب نفير يردد من جانب الطريق، فليتحركوا من فورهم لنجدة رجال «طوس».
بعث الكهنة إلى إخوانهم في طيبة بالشكوى من استمرار بقاء «بنتؤر» و«رادريس» في معية الأميرين، وبخبر ظهور عذراء الهند، وبأنهم اتخذوا التدابير اللازمة، لمنع وصولها إلى الأمير، فلم يبق عندي شبه ريب في خيانة الحاجب والخادم الخصوصي، فليقبض على أوراقهما وليعدما الليلة.
أصبح من المحتم المستعجل أن يسعى الأمير في تغيير قائد الفرق الاستعمارية، فإن القوم أوشكوا أن يميلوا رأسه، ولا يخفى ما في ذلك من الخطر على حزبنا والسلام.
فأخفى الأمير الورقة في جيبه وخرج، وهو لا يكاد يملك حركاته من الغضب، فمشى والكهنة وأولادهم صفان له في الطريق عن اليمين وعن الشمال، حتى إذا صار خارج المعبد أمر أن يفتح له ولبعض رجاله باب الظلام، فقيل له إنه مفتوح، فزاده ذلك غضبا، وأيقن كل اليقين أن الحاجب والخادم هما السبب، فدنا عندئذ من «رادريس» وناوله الورقة خفية. وقال: هذه أخبار اليوم فانظر ما يتعلق منها بوظيفتك، فسارع إلى إنفاذه بالحرف الواحد، وعلى الأخص أمر الحاجب والخادم. قال: سمعا وطاعة يا مولاي. قال: والآن خذ الحرس فارجعا، وأنا يكفيني «بنتؤر» والعبد، وكان الليل قد دخل في ساعته الأولى، فركض الحرس خيلهم خلف قائدهم الهمام «رادريس» آيبين إلى المدينة، ومشى جماعة من الكهنة في ركاب الأمير حتى اجتاز باب الظلام، فانطلق يسير وليس معه إلا مؤدبه وعبده، وهناك استأذن الكهنة فأذن لهم فانثنوا راجعين.
صفحه نامشخص