وعندما نطق بهذه الكلمة ضجت الناس بالضحك وخيل للمتهمين أن كلمة «أتكنسون» بند في القانون للعفو.
فاضطر سعادة الرئيس أن يطلب حفظ النظام.
ثم التفت إلى الهلباوي وقال له: ألا تعلم يا جناب المدعي العمومي بأنه لا يوجد في شبين الكوم «أتكنسون». - غريب، ألا يوجد عند الفلاحين روائح عطرية! - يوجد عند الفلاحين روائح، ولكنها غير المطلوب.
فقال أحمد بك حبيب عمدة الناعورة: عندنا يا حضرات الأعضاء رائحة اسمها «سنبل وخزامه» فهل توافقون على إحضارها؟
فأشار الرئيس برأسه إشارة الإيجاب، أما النائب العمومي فتضجر؛ لأنه لم يسمع بهذا الاسم في حياته! ولأنه من طفولته متعود على الأتكنسون.
وبعد ذلك وقف الهلباوي بعد أن أقسم بأن ينزل الصواعق على رءوس المتهمين؛ لأن رائحتهم سببت له عسر الهضم، فقال: أطلب من المحكمة سحق هؤلاء المتهمين أجمعين؛ لأنهم هجموا على الضباط وقتلوا الكبتن بول، وأصابوا باقي الضباط بجروح بليغة، وحيث إن هذا الجرم من الجرائم الفظيعة، فأرجو وأتوسل أن يكون الحكم عليهم بأشد عقوبة بعد سماع شهادة الشهود.
ولقد أثر هذا الطلب المخيف في المتهمين، حتى إنهم «عرقوا» من قسوته، فازدادت رائحتهم وازداد لذلك عسر هضم الهلباوي.
وبعد جلوس المدعي العمومي بدأت المحكمة في سماع شهادة الشهود، فجاء الشاهد الأول وهو الميجر بن كوفين قومندان الفرقة، وساعده الأيسر مرفوع إلى صدره، ولما وقف بين أيدي القضاة نظر في وجوههم قليلا وطلب أن يجلس؛ لأنه مريض، ولما جلس أمر الرئيس أن يعرض عليه المتهمون ، فعرضوا عليه واحدا بعد واحد، فكاد يضحك؛ لأنه لم يتذكر أنه رأى شبها من هذه الأشباه، وأوشك أن يقول ذلك لولا أن نظرة من نظرات أحد الجالسين على منصة الحكم أجمدت الكلمة بين شفتيه.
فقال الميجر في نفسه: وأي شيء يهمني؟ ومصر - كما قال عميدنا - بلاد العجائب والغرائب، فلا غريبة إن كانت أحكامها عجائب وغرائب.
ثم نظر بعظمة إلى المتهمين وقال في نفسه: أنا الحاكم المطلق في أرواحكم؛ فبكلمة مني أذهب بكم جميعا، وبكلمة مني أعيد لكم الحياة.
صفحه نامشخص