مرت هذه الوقائع أمام عيني وكأنني أشاهد رواية لا دور لي فيها، لم ألمح كريم ابني الذي أعرفه فيما يجري ويقال هنا ولو لمرة واحدة، بيومي التلت أقصاه تماما عن المشهد. لم تعاودني ذكريات اللحظات الأولى التي علمت فيها باختفائه، ولا ما عانته أمه من آلام، ولا مشاهد طفولته السعيدة وهو ما زال يعيش بيننا. كانت مشاعري تختلج بعنف تجاه ما يدور وما أسمع، لا أدري إن كنت مندهشا، أم خائفا، أم محبطا، فقط كنت أدعو الله أن ينجيني من يد هذا البلطجي الشرس القبيح الخلقة.
خلصني الله من لعنة فرحت أبحث أنا عنها، أبحث عن مجرم تطارده الشرطة، عن شوه تعف العين عن النظر إليه، عن منحل لا دين له ولا ملة ولا خلق، عن عار يلطخ سمعتنا. أهذا من بكته أمه حتى جف الدمع في مآقيها؟ أهذا سند أخواته وحارسهم؟ أهذا فخري في الحياة وذكراي بعد موتي؟ لم أجرم في حقه، فلماذا أدفع غاليا ثمن إجرامه؟
فتح بيومي حافظة نقودي وأخرج منها ورقة مالية قذف بها إلي: تكفيك هذه لأجرة التاكسي.
علق أحد صبيانه: سيارته الملاكي بانتظاره.
ابتسم: قد أصبحت سيارتي منذ الآن. أين الرخصة؟
أجبته: في حافظة النقود، والمفاتيح معكم أيضا. - لتذهب الآن وتخبرهم أن يستعدوا لاستقبالي غدا.
استعطفته أن يرجئ أمر عودته للمنزل حتى نتأكد أنه هو ابني كريم، فأمسك برقبتي قائلا: لا تحاول اللعب معي.
جاهدت لإقناعه. - هو تحليل بسيط في المعمل حتى أتأكد أنك ابني، وحتى تتأكد أنت أيضا أنك تعيش بين أهلك، هكذا تكتمل فرحتنا بعودتك. يمكنك أن تتصل بي غدا لأخبرك عن مكان المعمل وموعد التحليل.
طال انتظار طاهر لعودتي فأوشك أن يبلغ الشرطة، أبلغته عبر هاتفي المحمول بمكاني فأتى مسرعا، سألني عن السيارة، فرويت له كل ما حدث. قال: لعله ليس ابنك كريم. - بل أشعر أنه ابني، لكنني لا أريد رؤيته بعد اليوم.
تعجب طاهر: أتتخلى عنه بهذه البساطة؟! إنك الآن تصدر حكما بموته وأنت تعلم أنه حي يرزق. هل كان كريم لعنة كما تقول عندما كان يعيش في كنفك؟ ماذا كنت تنتظر منه وقد تربى وسط هذه القمامة؟! - إن مجرد ظهوره بيننا سوف يحطم هذه الأسرة. فقط فكر في مصير بنات أختك. - ليس من حقك أن تتخذ قرار موته. لعل وقع الصدمة كان عنيفا عليك. في الغد نعيد النظر في الأمر.
صفحه نامشخص