عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
ژانرها
4
يقول المؤرخ عاصف صديقي إن «جميع من كان حاضرا في هذا الاجتماع أصابته صدمة»؛ فقد كانوا ينتظرون في شغف خروج الصاروخ «آر-3» إلى الوجود، على الرغم من أنه كان موجودا فقط على الورق، وتوجسوا جميعا خيفة من خطوة كوروليف الجريئة. قوبل كوروليف بمعارضة قوية، وعارضه الوزير فياتشسلاف ماليشيف معارضة شديدة. كان ماليشيف مسئولا، في ضوء منصبه الوزاري، عن برنامج الأسلحة النووية، وكان يعلم أن كوروليف مهتم بالرحلات الفضائية، وهو ما كان ينظر إليه باعتباره خيالا جامحا، واتهمه بعقد الآمال على بناء صاروخ إطلاق فضائي معدوم الفائدة من الناحية العسكرية. وأصر ماليشيف على أن يواصل كوروليف إجراء التجارب على «آر-3».
قال كوروليف: «أرفض ذلك. لا قبل للدولة بالتدخل في هذا الشأن.»
أجاب ماليشيف قائلا: «حقا؟ الأشخاص ليسوا معصومين من الاستبدال، ويمكن العثور على أشخاص غيرهم.»
كان أوستينوف - وليس ماليشيف - مسئولا عن برنامج الصواريخ الاستراتيجية، وكان أوستينوف يفضل خطة كوروليف ولو بشيء من الحذر على الأقل، ولم يكن يملك السلطة اللازمة لقبول خطة كوروليف مباشرة كأساس للسياسة العامة، لكنه استطاع تشكيل لجنة استعراض لفحص الأمر وبحثه.
في المستويات العليا داخل الحكومة، يعتبر انعقاد هذه اللجان ضربا من الفن، وعندما تشكل هذه اللجان كما ينبغي، فإنها كانت تتضمن أعضاء لا غبار على سمعتهم ويتمتعون بسلطات واسعة، وتتطابق وجهات نظرهم مع رئيس اللجنة. ووقع اختيار أوستينوف على كونستانتين رودنيف - أحد نواب وزير الدفاع الذي كان قد رأس مركز «إن آي آي-88» - رئيسا للجنة، وكان يعرف كوروليف جيدا، ومن زملائه في اللجنة المارشال ميتروفان ندلين، قائد سلاح المدفعية ، الذي كان يدعم أيضا اقتراح كوروليف.
استدعى هذا الصاروخ الباليستي البعيد المدى وجود قلب مركزي يجري تشغيله من خلال محرك جلشكو مكون من أربع غرف دفع، تولد قوة دفع 170 ألف رطل؛ وكان من المفترض أن يربط أربعة من الصواريخ المعززة حول القلب، كل منها يحتوي على وقود، ومزود بمحرك مشابه؛ وكان من المفترض تشغيل محركات جميع الصواريخ في منصة الإطلاق؛ مما يعمل على تفادي مشكلات الإشعال أثناء الطيران. وكانت قوة الدفع الإجمالية، التي بلغت 900 ألف رطل، لا تقارن بقوة دفع أكبر الصواريخ السوفييتية التي انطلقت حتى ذلك الحين، التي تبلغ 100 ألف رطل، ويمثلها الصاروخ «آر-5». وكان من المنتظر أن تنفصل الصواريخ المعززة بعد عملية الإطلاق؛ مما يجعل الصاروخ الرئيسي يواصل الانطلاق حاملا رأسه الحربية النووية.
أفادت الدراسات التي أجريت على «آر-3» من المشاركة المباشرة لأهم علماء الرياضيات في البلاد، وهو مستيسلاف كلديش. مثل كلديش أمام لجنة أوستينوف وأكد على أن تحليلاته أثبتت أن تصميم كوروليف سليم؛ وتوفر مزيد من الدعم من جلشكو، الذي أشار إلى إمكانية بناء مجموعة المحركات التي صممها من خلال الاعتماد على الممارسات الهندسية القائمة. وأصدرت هذه اللجنة تقريرها الذي جاء في صالح كوروليف، ونجح أوستينوف في تحقيق هدفه. وفي 20 مايو 1954، تلقى موافقة نهائية على البدء في تطوير الصاروخ الباليستي البعيد المدى الذي صممه كوروليف.
أطلق على الصاروخ اسم «آر-7»، على الرغم من أن الآخرين أطلقوا عليه «سميوركا» (رقم 7). ولكنه لم يكن الصاروخ الوحيد العابر للقارات؛ حيث واصل مياسشتشيف ولافوتشكن مشروعي صاروخي «كروز» اللذين يعملان باستخدام المحرك النفاث ذي الدفع الهوائي. وكان من المقرر أن يتنافس المصممون الثلاثة؛ بحيث إذا تخاذل أحدهم، يمضي الآخران قدما؛ إذ كانت موسكو عازمة على إحراز النجاح.
ما الذي كانت تفعله الولايات المتحدة في تلك الأثناء؟ أسرعت الولايات المتحدة بتسريح عدد كبير من أفراد الجيش بعد الحرب، مع خفض ميزانية الدفاع إلى 14,4 مليار دولار أمريكي في عام 1949. وكانت برلين هي محل اهتمام الحرب الباردة، وتوقع ستالين أن يحتفظ بشرق ألمانيا، وأن يجعل من أوروبا الشرقية منطقة عازلة، ويفرض الحكم الشيوعي على هذه البلاد على الرغم مما يلاقيه من معارضة واسعة، ويصد أي تهديد بالغزو من جانب الغرب. وكان الجيش الذي جهزه ستالين يشكل تهديدا هجوميا قويا؛ حيث كان أكبر بكثير مما ينبغي لتنفيذ هذه المهام، وأشار وزير الخارجية الأمريكي، جورج مارشال، إلى أن السوفييت كانوا يمتلكون أكثر من 260 كتيبة نشطة، بينما كانت قوات الاحتياط الأمريكية تتألف من «كتيبة ونصف كتيبة في أنحاء الولايات المتحدة بأسرها».
صفحه نامشخص