عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
ژانرها
حقق «فايكنج» أيضا حد تكلفة لم يستطع بلوغه إلا عدد محدود من مشروعات الصواريخ اللاحقة؛ حيث لم تتجاوز تكلفة البرنامج بأكمله خمسة ملايين دولار أمريكي. واستخدم هذا المبلغ في تطوير محرك ونظام توجيه جديدين تماما، لإصدارين من الصاروخ، وفي تنفيذ اثنتي عشرة عملية إطلاق. وتمكن الإصدار الثاني، الذي كان يحمل كمية أكبر من الوقود، من رفع معدات زنة 825 رطلا إلى مسافة 158 ميلا في أفضل رحلاته، في مايو 1954. وأثبت الصاروخ «فايكنج» إمكانية التعويل الكاملة عليه. وبعد عمليات الإطلاق الثلاث الأولى التي توقف خلالها المحرك قبل إتمام عملية الإطلاق، نجحت سبع من عمليات الإطلاق التسع المتبقية في البرنامج نجاحا مذهلا، بينما فشلت محاولة إطلاق واحدة فشلا تاما.
كتب روزن قائلا: «كان ثمة اثنا عشر رجلا فقط ضمن طاقم إطلاق «فايكنج»، ولم تقدم شركة «مارتن»، التي تولت بناء الصاروخ، أكثر من أربعة وعشرين مهندسا للقيام بأعمال التصميم. ولم يتجاوز عدد المشاركين في بناء الصاروخ أكثر من خمسين رجلا فقط. وأخيرا، كان فريق المشروع المعين من قبل الحكومة يتألف من رجلين في البداية، ولم يتجاوز العدد أربعة أشخاص. وضع هؤلاء الأشخاص المواصفات الفنية، وتفاوضوا بشأن أوامر التعديل، وحللوا بيانات الرحلات والاختبارات، وكتبوا جميع التقارير النهائية حول «فايكنج»؛ ولذلك، يمكن شراء صاروخ «فايكنج» مقابل 250 ألف دولار أمريكي، وإجراء عملية إطلاق كاملة مقابل 500 ألف دولار أمريكي.»
3
حازت صواريخ التجارب هذه السبق في جوانب أخرى؛ ففيما يتعلق بحمل الكاميرات، المزودة في بعض الأحيان بأفلام ملونة، كانت هذه الصواريخ تحمي الأفلام المعرضة للضوء في حاويات قوية تستطيع تحمل عملية الهبوط على سطح الأرض، وكانت تلتقط صورا على غرار المشاهدات التي رصدها رواد الفضاء، ولكن قبل وقت طويل من وجود رواد فضاء. وعلى ارتفاع شاهق من أل باسو ، حيث كان الأفق يمتد لما يزيد عن ألف ميل، اخترقت الكاميرات على متن «فايكنج» الأجواء في المكسيك ورصدت المحيط الهادئ، فيما وراء ولاية باجا كاليفورنيا. وكان أداء الصاروخ «إيروبي» أفضل؛ ففي عام 1954، على ارتفاع مائة ميل، التقط «إيروبي» صورا فوتوغرافية لعاصفة استوائية فوق الأجزاء الجنوبية من ولاية تكساس، وكانت عاصفة أشبه بالإعصار، وكان خبراء الأرصاد في محطات الرصد الأرضية على دراية بأن الطقس عاصف، لكنهم لم يتمكنوا من معرفة السبب. قدمت هذه الواقعة دليلا دامغا على أن الصور الملتقطة على هذه الارتفاعات الشاهقة يمكن أن تصبح ذات فائدة كبيرة في علم الأرصاد الجوية، وكانت تستبق فكرة إطلاق أقمار صناعية لرصد الأحوال الجوية.
ترك الصاروخان «في-2» و«دبليو إيه سي كوربورال» بصماتهما أيضا. اتحد الصاروخان في نموذج واحد ليشكلا معا أول صاروخ ذي مرحلتين؛ حيث كان الصاروخ الأصغر موضوعا على صاروخ الدفع الإضافي. وكانت عملية تصنيف مراحل الصاروخ من المتطلبات الفنية الملحة؛ حيث كان يجب أن يتصدى صاروخ المرحلة العليا للضغط المرتفع والتسارع القوي اللذين يحدثان في صاروخ الدفع الإضافي قبل إشعال المحرك عند بلوغ الارتفاعات الشاهقة، وهي عملية كانت بعيدة تماما عن متناول الفنيين. ولكن، استخدم الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال» محركا مغذى تحت الضغط، فضلا عن وقود دفعي كان يشتعل عند التلامس. ولم يكن هذا الصاروخ يتطلب نظام إشعال أو مضخة توربينية أو نظام توجيه، بل كل ما كان مطلوبا هو فتح صمامات المحرك في الوقت المناسب؛ وبهذه الطريقة، بلغ الصاروخ ارتفاع 244 ميلا في فبراير 1949، وهو ارتفاع لم تستطع أية مركبة فضائية لاحقا أن تتخطاه على أية حال، وسجل رقما قياسيا في الارتفاع لم يتجاوز حتى عام 1956.
بناء على ذلك، تشكلت مجموعة من الاختصاصيين الأمريكيين في مجال الصواريخ، تأثروا بأعمال جودارد، وانبثقوا عن الباحثين الهواة الذين علموا أنفسهم بأنفسهم في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ونادي الصواريخ الأمريكي، واعتمدت هذه المجموعة على التمويل الفيدرالي وحققت مكانة متواضعة لكن هادفة في مجالي صواريخ التجارب والصواريخ الحربية. ولكن هذا العمل كان بعيدا تماما عن فكرة بناء صواريخ دمار شامل تستطيع حمل قنبلة نووية. استطاع كثيرون تخيل الوضع مع هذه الأسلحة، في أعقاب واقعتي بينامونده وهيروشيما، ولكن واشنطن لم تكن مهتمة بالأمر. وأشار فانفار بوش، الذي تولى إدارة مكتب البحث العلمي والتطوير وقت الحرب، إلى ذلك بوضوح في شهادته أمام مجلس الشيوخ في ديسمبر 1945:
انتشرت أقاويل كثيرة عن صاروخ يبلغ ارتفاع 3000 ميل بزاوية ميل عالية. وفي رأيي، هذا أمر مستحيل وسيظل مستحيلا لسنوات عديدة؛ فهؤلاء الأشخاص الذين كانوا يكتبون عن هذه الأمور التي تزعجني كانوا يتحدثون عن صاروخ يصل إلى ارتفاع 3000 ميل بزاوية ميل عالية، منطلقا من قارة إلى أخرى حاملا على متنه قنبلة ذرية، وموجها على نحو يجعله سلاحا دقيقا يهبط بالضبط في موضع معين مثل هذه المدينة.
من الناحية الفنية، لا أعتقد أنه يوجد في العالم من يعرف كيفية صنع صاروخ كهذا، وأثق أن هذا الأمر لن يحدث إلا بعد فترة زمنية طويلة للغاية. وأعتقد أننا يجب أن نسقط هذا الأمر من تفكيرنا، وأتمنى أن يسقط الأمريكيون هذا الأمر من تفكيرهم.
4
لم يكن أحد يراوده الشك في أن صواريخ من هذا النوع كانت تتطلب ما هو أكثر بكثير من بضعة الملايين من الدولارات التي كانت تكلفة الصاروخ «فايكنج». بلغ وزن القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا عام 1945، بنوعيهما المصنوعين من اليورانيوم والبلوتونيوم، خمسة أطنان. وكان يجب أن يصل وزن الصاروخ الذي سيحمل قنبلة واحدة إلى موسكو عدة مئات من الأطنان، مقارنة بالقنبلة التي تزن أربعة عشر طنا والتي كان صاروخ «فايكنج» يستطيع حملها. وكانت مقدمة الصاروخ المخروطية، التي تلج إلى الغلاف الجوي بسرعة أربعة أميال في الثانية، ستحترق كالنيزك بفعل حرارة ديناميكا الهواء. وفي المدى العابر للقارات، لم يكن ثمة نظام توجيه يضمن إصابة الهدف بدقة، وكان المسمى الإنجليزي لكلمة «قذيفة»، وهو
صفحه نامشخص