عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
ژانرها
خلال عام 1943، علم المحللون في استخبارات الجيش أن ألمانيا كانت تبني صواريخ بعيدة المدى، واقترح فون كارمان مهمة تطوير ربما كانت تؤدي إلى بناء صاروخ يبلغ مداه خمسة وسبعين ميلا. وساند النقيب روبرت ستيفر - من فرقة المعدات الحربية بالجيش، وهو ضابط اتصال في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا - هذا الاقتراح مساندة قوية، ورفعه عبر القنوات المعنية إلى الكولونيل جرفايز ترايكل، الذي كان يرأس لواء الصواريخ في فرقة المعدات الحربية. وفي يناير 1944، طلب ترايكل من كارمان تولي مسئولية برنامج كامل للصواريخ الموجهة، كان من المنتظر أن يتضمن نظام توجيه؛ ووافق كارمان ثم سرعان ما أبرم معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عقدا آخر.
على الرغم من ذلك، فإنه على غرار ما حدث عند إنتاج «إيروجت» وحدات صاروخية للإقلاع المعزز، لم يصل هذا الجهد الجديد إلى أن يصير مشروعا في الجامعة. وكان قسم علوم الطيران في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا على استعداد لتولي مسئولية موضوعات بحثية مثل تطوير أنواع جديدة من الوقود الدفعي، وتطوير مواد تؤدي عند حرقها إلى تشغيل المحرك بسلاسة. ولكن، بالنسبة إلى هذا القسم كان القيام بعملية تطوير مكثفة، يمكنها أن تطرح شيئا بهذا التحديد كالسلاح الحربي، أمرا مختلفا. وكان من المنتظر إحراز تقدم في مسار العمل في أرويو سكو، وخلال عام 1944 أعيد تنظيم المنشأة كمركز لأبحاث الصواريخ الموجهة، تحت اسم مختبر الدفع النفاث.
خلال عامي 1944 و1945 توسع الجيش في إقامة منشآت جديدة بلغت قيمتها 3 ملايين دولار أمريكي؛ مثل: المختبرات، ومنصات اختبارات الصواريخ، ومبنى إداري جديد، ونفق هوائي بسرعات تتخطى سرعة الصوت. وأثار هذا الأمر استياء أعضاء مجلس مدينة باسادينا؛ إذ كانت المدينة قد أبرمت اتفاقا لتأجير موقع أرويو سكو خلال فترة الحرب فقط، وبدا أن المنشآت الجديدة ستكون دائمة؛ وتسببت هذه المباني التي تبدو مثل الثكنات وأصوات الأزيز المرتفع الناشئ عن الصواريخ التي هي قيد الاختبار، في وقوع صدام كبير مع سكان الضواحي الأثرياء الذين كانوا يشيدون منازل جديدة في مدينتي ألتادنا وفلنتريدج القريبتين.
عندما سعى الجيش إلى تجديد عقد الإيجار، لم يوافق مجلس مدينة باسادينا؛ إذ أعلن رئيس مجلس المدينة أن المنشآت تخالف «المبدأ الأول من مبادئ التقسيم السليم المعمول بها في المناطق السكنية»، ورد مسئولو الجيش على ذلك بالتهديد بمصادرة الأراضي بموجب حق مصادرة الأملاك؛ فأذعن مجلس المدينة. وسرعان ما انتقلت اختبارات الصواريخ إلى مكان آخر، وإن ظل مختبر الدفع النفاث حيث هو.
في تلك الأثناء، أعطى اهتمام هذا المركز بالصواريخ الحربية المستخدمة في ميادين القتال أملا جديدا بإمكانية إنتاج صواريخ وقود سائل. وكانت شركتا «إيروجت» و«ريأكشن موتورز» قد شرعتا في إجراء تجارب حول الإقلاع المعزز، لكن لم تكن هذه التجارب تقدم توقعات كبيرة بالنجاح في المستقبل. وسرعان ما صارت حاملات الطائرات مجهزة بآلات بخارية تشبه المنجنيق تستطيع إطلاق طائرات دون أي صاروخ دفع إضافي، بينما تخلت القوات الجوية عن التعزيز الصاروخي عن طريق بناء مدارج إقلاع أطول، ومحركات نفاثة أقوى. ووجدت شركة «ريأكشن موتورز» مكانا مناسبا لها في السوق، من خلال توريد محركات إلى عدد صغير من الطائرات الصاروخية المستخدمة في أبحاث الطيران الفائق السرعة. وشكلت الصواريخ الحربية مسارا منفصلا، وهو ما حدد ملامح مستقبل مختبر الدفع النفاث خلال العقد القادم.
مع ذلك، تضمن مسار آخر صواريخ التجارب، التي كانت تحمل معدات إلى ارتفاعات غير مسبوقة تصل إلى مائة ميل وأكثر. وبعد الحرب، عقد الكثير من العلماء الأمل على إجراء أبحاث على هذه المعدات؛ فأراد علماء الفلك أن يرصدوا ضوء الشمس في نطاق الأشعة فوق البنفسجية البعيدة التي تمتص أطوالها الموجية في طبقات الجو السفلى؛ وتوقع الفيزيائيون أن يكتشفوا أشعة كونية، كان من المتوقع أن تمتص أيضا في الغلاف الجوي؛ وتطلع علماء الأرصاد الجوية إلى قياس درجات الحرارة والضغط في طبقة الجو العليا؛ وكان كثير من الناس يتوقون إلى معرفة شكل الأرض عند تصويرها فوتوغرافيا من هذه الارتفاعات، وهي ارتفاعات شاهقة تفوق بكثير ما كان يمكن بلوغه بواسطة أي طائرة أو بالون.
لم تكد الحرب تضع أوزارها حتى هيأ الجيش الأجواء لبذل مزيد من الجهد الضخم في هذا المجال؛ حيث استحضر أفضل مساعدي فيرنر فون براون إلى هذه البلاد، فضلا عن جلب كمية هائلة من الوثائق والمعدات المهمة. وفي مارس 1945، أرسل الكولونيل ترايكل في البنتاجون طلبا إلى الكولونيل هولجر توفتوي، رئيس جهاز الاستخبارات الفنية التابع لفرقة المعدات الحربية في أوروبا، طالبا إرسال مائة صاروخ طراز «في-2» جاهز للعمل، وذلك بهدف إجراء اختبارات إطلاق عليها في الولايات المتحدة. ولمساعدة توفتوي، أرسل ترايكل روبرت ستيفر، الذي صار الآن رائدا في الجيش، وكان قد ساهم في تأسيس مختبر الدفع النفاث قبل عام ونصف العام؛ وكان عليه جمع المخططات والوثائق، وتشكيل الفريق الذي سيتولى تنفيذ المشروع.
لم تكن صواريخ «في-2» الكاملة الجاهزة للإطلاق موجودة في واقع الأمر، لكن توفتوي جمع ما يكفي من المكونات لتنفيذ جانب كبير من طلب ترايكل، وحدد ستيفر بدوره أكفأ الأشخاص في بينامونده، فضلا عن مجموعة كبيرة من الوثائق القيمة. لم يكن فون براون والآخرون سجناء؛ إذ لم يجر توجيه أي اتهامات إليهم، ولم تسع الولايات المتحدة إلى احتجاز العلماء العسكريين في ألمانيا من خلال عمليات اعتقال مباشرة؛ إذ كان لهؤلاء الأشخاص، في حقيقة الأمر، وفقا لقانون الاحتلال، مطلق الحرية في البقاء في ألمانيا إذا كانوا يرغبون في ذلك. وبذلك، التقى توفتوي شخصيا بخبراء الصواريخ، واتخذ الترتيبات اللازمة لتوفير سبل الإعاشة لعائلاتهم والتفاوض حول العقود التي سيأتون بموجبها للعمل في الولايات المتحدة. وخلال الأشهر التالية، ترأس فون براون فريقا من 115 اختصاصيا مختارين بعناية، عبروا الأطلنطي وانتقلوا إلى منزل مؤقت في فورت بليس، بولاية تكساس، في الصحراء قرب مدينة إل باسو.
كانت مهمة العلماء العاجلة تتمثل في بناء صواريخ «في-2» من المكونات المتوافرة لديهم، وإطلاقها كصواريخ تجارب، وكانت منطقة الاختبارات - وهي ميدان اختبارات وايت ساندز - قريبة من فورت بليس، وتغطي جزءا من أراضي نيو مكسيكو يقارب في حجمه وشكله ولاية فيرمونت. وعلى الرغم من تخطي صواريخ «في-2» حاجز المائة ميل، فإنها في بعض الأحيان على الأقل لم تكن مناسبة تماما لهذا الغرض.
لم يكن الجيش يعتزم إنتاج صواريخ «في-2» مجددا، وعندما نفدت الكمية المحدودة الواردة من ألمانيا، لم تكن ستعقبها كميات أخرى؛ بالإضافة إلى ذلك، لم يتم التحكم فعليا في نظام التوجيه إلا خلال عمليات الإطلاق المعزز. وبعد توقف المحرك، لم تكن ثمة طريقة لتوجيه المركبة في أي اتجاه ، مثل الشمس؛ ففي حقيقة الأمر، كان الصاروخ يتعثر أو يتخذ مسارات بهلوانية بدلا من الطيران في وضع مستقيم، والأكثر من ذلك أن الصاروخ كان مصمما لحمل رأس حربية زنة طن واحد، وكان في حاجة إلى هذا الوزن الكبير في المقدمة، وإلا لم يكن نظام التوجيه سيعمل حتى خلال مرحلة التعزيز. ولم تستطع المعدات التي استعان بها العلماء بلوغ هذا الحاجز؛ لذا كانت صواريخ «في-2» تحمل أوزانا ثقيلة من الرصاص لتحقيق التوازن. ومثلما جاء على لسان أحد مديري المشروع: «كلما زاد الوزن، قل الارتفاع. وكنا نرى انحرافات بالأميال في الارتفاعات المحتمل أن يبلغها الصاروخ «في-2» مع كل رطل من الرصاص يسكب في الفوهة، ووصل وزن الرصاص المسكوب في إحدى المرات إلى 1100 رطل.»
صفحه نامشخص