عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
ژانرها
كان كوروليف يعمل في مصنع طائرات نهارا، ويتلقى الدروس في المعهد ليلا، كما كان يتعلم الطيران واستطاع الحصول على رخصة طيار. وجذبت موهبته انتباه أندريه تبوليف، أحد أهم مصممي الطائرات في الاتحاد السوفييتي، ومضى كوروليف يصمم وينشئ طائرة أخرى كتلميذ له. كما عمل مع مصمم آخر من المصممين الرائدين، وهو سيرجي إليوشن، حيث اخترع طائرة شراعية استطاعت التحليق عاليا لأكثر من أربع ساعات، وفازت في إحدى المسابقات الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، تنامى شغف عميق ودائم لدى كوروليف بالرحلات الفضائية. وكان قد وصل إلى موسكو في الوقت المناسب لحضور معرض عام 1927، وفي الوقت المناسب التقى أيضا تسيولكوفسكي في موسكو، وبعد تخرجه في المعهد الفني عام 1930 التقى مصادفة تساندر الذي كان وقتها يأمل في بناء محركات وقود سائل. وكان تساندر بصدد تشكيل جمعية جديدة من الشباب المهتمين بالصواريخ، وهي مجموعة موسكو لدراسة حركة رد الفعل (موسجيرد). وكان كوروليف قد اقترح تركيب أحد محركات تساندر في طائرة شراعية دون محرك، وحصل على دعم مالي محدود من منظمة «أوسوافياكيم» الحكومية التي كانت تشجع أنشطة الطيران.
اتخذت المجموعة من قبو خمور سابق مقر عمل لها، وكان ذلك في طابق أرضي مظلم ورطب لكنه كان واسعا، وشرعوا في العمل، لكنهم لم يحرزوا تقدما كبيرا. في الواقع، كان مستوى الدعم الذي تلقوه محدودا؛ فقد شكا أعضاء موسجيرد من أن الاسم المختصر لجماعتهم يعبر فعليا عن عبارة روسية مختلفة، تترجم من الروسية إلى «جماعة موسكو للمهندسين المتطوعين دون أجر». ومما أعاق تجاربهم أيضا أن الأجهزة الرئيسية التي كانوا يستخدمونها كانت عبارة عن ماكينتين متهالكتين، لكن كوروليف لم يرضخ للأمر ولم يسلم به على علته. إذا لم تكن «أوسوافياكيم» قادرة على تقديم الدعم لمجموعة موسجيرد على النحو الذي ينشده، فسيحاول الحصول على دعم أفضل من الجيش الأحمر.
كان مسئول التسليح في الجيش، ميخائيل توكاشيفسكي، مهتما جدا بالصواريخ، ورأى توكاشيفسكي في الصواريخ وسيلة للتغلب على القدرات المحدودة للأسلحة الثقيلة، من خلال إطلاق قذائف كبيرة للغاية من المتفجرات إلى أي مسافة. وبالإضافة إلى ذلك، كان يتوقع في وقت ما قبل اختراع المحرك النفاث أن ترفع الصواريخ «الحد الأقصى لارتفاع الطائرات الحربية إلى طبقة الستراتوسفير»، وهو ما سيسفر عن أداء غير مسبوق. وكان ينظر إلى توكاشيفسكي على نطاق واسع باعتباره من جهابذة الجيش الأحمر وأرجحهم عقلا، فضلا عن قوة إرادته وعزيمته. وكان يتمتع أيضا بمكانة مرموقة؛ ففي عام 1935، بعد إجراء عملية إصلاح عسكري داخل الجيش، حصل على رتبة مارشال، وهي رتبة لم يتلقها سوى خمسة جنرالات فقط، وكان يشرف أيضا على تمويل مجموعة مختصة بأبحاث الصواريخ في ليننجراد، وهي معمل ديناميكا الغازات.
انبثق معمل ديناميكا الغازات عن مجموعة سابقة تجاوزت في أبحاثها مجال صواريخ البارود التقليدية، من خلال التعامل مع البارود اللادخاني، وهو ما زود الصواريخ بطاقة أكبر. وكان هذا المركز البحثي يباشر أعماله كذراع لسلاح المدفعية في الجيش؛ حيث كانت توجد منصة اختبار لإطلاق صواريخ في قاعدة ليننجراد الرئيسية، وكان مديره ضابطا في سلاح المدفعية. وفي عام 1929، أدخل مهندس تابع لهذه المجموعة البحثية، يدعى فالنتين جلشكو، توسعات على برنامج معمل ديناميكا الغازات بإطلاق برنامج لإنتاج صواريخ وقود سائل. واستمر جلشكو في بناء محركات الصواريخ هذه بغرض إجراء عمليات إطلاق ناجحة، وهو ما أسفر عن قوة دفع بلغت أربعة وأربعين رطلا، من خلال حرق الجازولين مع الأكسجين السائل.
نظرا لأن «أوسوافياكيم» كانت على صلة وثيقة بالدوائر العسكرية، علم توكاشيفسكي بالأبحاث التي تجريها مجموعة موسجيرد منذ وقت مبكر جدا. في البداية، اكتفى بدعم أوسوافياكيم، لكن سرعان ما رأى أن مجموعة موسجيرد كانت في حاجة إلى دعم أكبر. ومن خلال العمل المباشر مع كوروليف، اتخذ توكاشيفسكي التدابير اللازمة لتمويل مجموعة موسجيرد مباشرة، ولدمج موسجيرد ومعمل ديناميكا الغازات في مؤسسة قوية واحدة. وبحلول شهر أغسطس من عام 1932، كانت إدارة الاختراعات العسكرية التابعة للجيش ترسل دفعات من التمويل المبدئي إلى مجموعة موسجيرد؛ وبالإضافة إلى ذلك، وفق كوروليف إلى استخدام موقع إطلاق صاروخي في قاعدة قريبة تابعة للجيش.
خلال العام التالي لذلك، بينما كانت مجموعة موسجيرد لا تزال تباشر عملها في قبو الخمور، واجه أعضاؤها حوادث مؤسفة تجاوزت المشكلات المعتادة في مجال أبحاث الصواريخ؛ ففي إحدى المرات، انقلبت شاحنة المجموعة في الثلوج الرطبة المبللة. وذات مرة أخرى، بينما كانت الشاحنة تحمل صاروخا إلى موقع الإطلاق، اصطدمت بحجر على متن الطريق وكادت تنقلب مجددا. وأخيرا، في أغسطس 1933، انطلق صاروخ اسمه «09» في أول رحلة له، وبلغ الصاروخ ارتفاع 1300 قدم، لكنه تعثر بعد ذلك في مساره وسقط متهشما بعدما احترقت إحدى حواف ذيله الناتئة . ومع ذلك، كان كوروليف مسرورا، وأعلن ذلك قائلا: «انطلق الصاروخ بالفعل، ولم يذهب جهدنا أدراج الرياح.»
بعد ذلك بثلاثة أشهر تحقق نجاح جزئي مشابه؛ حيث ارتفع صاروخ جديد يسمى «جيرد-إكس» إلى ارتفاع 250 قدما، ثم ما لبث أن استدار في حدة ليسقط على الأرض على مسافة 500 قدم. وحتى ذلك الوقت، كانت مجموعة موسجيرد ومعمل ديناميكا الغازات قد أكملا عملية اندماجهما في مؤسسة جديدة تدعى معهد الأبحاث العلمية في مجال الدفع المعاكس، وصار إيفان كليمنوف - الرئيس السابق لمعمل ديناميكا الغازات - مدير المؤسسة الجديدة، وصار كوروليف نائبا له، ولو في البداية على الأقل. وانتقلت مجموعة موسجيرد من قبوها المظلم إلى مصنع سابق لمحركات الديزل في ضواحي موسكو، وأعلنت عن إنتاج خلايا لاختبار محركات سرعان ما استخدمت فيما بعد في اختبار محركات الصواريخ؛ وانضم كوروليف، الذي كان مدنيا، إلى الجيش الأحمر وحصل على رتبة ضابط مكلف.
لم تكن ثمة دولة أخرى خلاف ألمانيا تبني صواريخ وقود سائل بدعم عسكري. وفي حقيقة الأمر، تطورت أنشطة تلك الدولة على غرار مثيلاتها في الاتحاد السوفييتي، من خلال كتابات هيرمان أوبيرت التنبئية التي أثارت موجة من الاهتمام بالصواريخ ورحلات الفضاء؛ موجة أدت أولا إلى فتح الباب أمام التجارب الدءوبة، ثم إلى تلقي الرعاية العسكرية المباشرة. ومع ذلك، تلقى مجال تطوير الصواريخ في ألمانيا تشجيعا خاصا من خلال فيلم الخيال العلمي «امرأة في القمر».
كان منتج الفيلم، فريتز لانج، أكثر من مجرد صانع أفلام؛ فقد كان رائدا في مجال الفن والثقافة في بلاده. وأشار الكاتب العلمي فيلي لاي إلى أنه في أحد العروض الأولى لأفلامه «كان من قبيل القاعدة الصارمة، وإن كانت غير مكتوبة، أن يرتدي المرء زيا مسائيا كاملا، وليس بدلة سهرة فحسب؛ وكان جمهور الحاضرين يضم في الواقع جميع الشخصيات المهمة في مجال الفن والأدب، مع حضور قوي لمسئولين حكوميين رفيعي المستوى.» وفي عام 1926، عرض لانج الفيلم الكلاسيكي «متروبوليس» الذي كان يؤدي دور البطولة فيه إنسان آلي، وكان من المنتظر أن يسير لانج على المنوال نفسه بالنسبة إلى رحلات الفضاء.
صفحه نامشخص