عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء

محمد سعد طنطاوي d. 1450 AH
173

عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

ژانرها

كان ميشن يتوقع أن يواجه عثرات وأن يتعلم منها، وصار لديه آنذاك ما يكفي من الدروس لينال درجة الدكتوراه. أعيد تصميم نظام «كورد » بالكامل، بينما زود صاروخ المرحلة الأولى في «إن-1» بنظام لمكافحة الحريق باستخدام غاز الفريون. وضع نيكولاي كوزنتسوف، مصمم المحركات، برنامجا كبيرا لتحسين كفاءتها، يتضمن تركيب مرشحات بسيطة يمكنها غربلة القطعة المعدنية التي تسببت في تدمير الصاروخ ومنصة الإطلاق. تقررت إعادة بناء المنصة، بينما استكمل بناء مجمع إطلاق ثان، كان قيد الإنشاء بالفعل. مع ذلك، لم ينطلق الصاروخ «إن-1» لمدة عامين آخرين.

مع ذلك، لم يكن ميشن في حيرة من أمره؛ كان لا يزال لديه الصاروخ «آر-7» التعزيزي مع مركبته الفضائية «سويوز»، بينما كان «بروتون» قد أظهر قدرا من الكفاءة منذ مدة غير بعيدة في برنامج «زوند»، من خلال أربع محاولات إطلاق ناجحة من واقع خمس محاولات. أصدر ديمتري أوستينوف، الذي كان لا يزال يمثل ثقلا في الكرملين، تعليماته إلى ميشن باستخدام الصاروخين «آر-7» «وبروتون» لتنفيذ برنامجه المناظر لبرنامج «سكايلاب». كان البرنامج يتمحور حول بناء محطة فضائية صغيرة، هي محطة «ساليوت» (أي تحية) إلى يوري جاجارين. لكن لسوء الحظ، لم يكن جاجارين موجودا حتى يتلقى التحية؛ فقد لقي حتفه في عام 1968، عندما حلق بطائرته المقاتلة النفاثة نحو دوامات طرف الجناح القوية التي سحبت طائرة مقاتلة أخرى لمسافة كبيرة وراءها. خرجت طائرة جاجارين عن نطاق السيطرة، ولقي حتفه في حادث الاصطدام.

كإشارة ثناء رائعة، كانت «ساليوت» تزن أكثر من 40 ألف رطل، وبالتحام «سويوز» معها، كان الحيز الداخلي في المركبتين معا يساوي 3500 قدم مكعب، وهو ما يزيد بمقدار الثلث عن حيز «سكايلاب». كانت «ساليوت»، مثل نظيرتها الأمريكية، تركز على الرحلات الطويلة. كنوع من الإحماء، استعادت موسكو الرقم القياسي لزمن المكوث في المدار؛ حيث حملت «سويوز 9» ثلاثة من رواد الفضاء لمدة ثمانية عشر يوما في عام 1970. ثم في أبريل 1971، بعد عشر سنوات من رحلة جاجارين، انطلقت «ساليوت 1» إلى الفضاء، ثم انطلقت «سويوز 10» والتحمت بها، وإن كان عطل في فتحة خروج قد أبقى أفراد الطاقم في مركبتهم. بعدها بستة أسابيع، انضمت إليهما «سويوز 11»، حاملة جورجي دوبروفولسكي، وفلاديسلاف فولكوف، وفيكتور باتساييف. دخلوا جميعا هذه المحطة الفضائية ومكثوا فيها أكثر من ثلاثة أسابيع.

بانتهاء مهمتهم، أطلقوا مجموعة من القطع المعدنية القابلة للانفجار لفصل كبسولة مسئولة عن معاودة ولوج الغلاف الجوي عن بقية أجزاء «سويوز». كانوا لا يزالون على ارتفاع أكثر من مائة ميل عندما تسببت الانفجارات في فتح صمام مسئول عن معادلة ضغط القمرة مع الضغط خارج المركبة الفضائية. لم يكن رواد الفضاء يرتدون بزات ضغط؛ إذ لم تكن لدى أي منهم بزة ضغط على متن المركبة. كان من الممكن غلق الصمام يدويا، وربما فقد باتساييف اتزانه بينما كان يحاول جاهدا إغلاق الصمام في حيز انعدام الوزن؛ حيث تلقى كدمة شديدة في وجهه. لكن، تسرب الهواء الموجود في القمرة قبل أن يتسنى لأحد إغلاق الصمام، ولقي أفراد الطاقم حتفهم. على الرغم من وفاة رواد فضاء من قبل، كان أفراد هذا الطاقم هم أول من يلقون حتفهم في الفضاء فيما وراء الغلاف الجوي.

قال ميشن لاحقا: «أخضع هذا الصمام للفحص مئات المرات في وحدات الاختبار، واستخدم في جميع مركباتنا السابقة. كان يبلي بلاء حسنا دائما. لم يجل بخاطر أحدهم على الإطلاق أن أداة بسيطة كهذه قد تتعطل.» أعيد تصميم مركبة «سويوز» على غرار ما حدث مع «إن-1»، وصارت البزات الفضائية لرواد الفضاء فيما بعد ضرورة لا مراء فيها، ولكي يفسح المجال لها ولأنابيب الأكسجين الخاصة بها، جرى تعديل «سويوز» من مركبة تقل ثلاثة من رواد الفضاء، إلى مركبة تحمل رائدي فضاء فقط، وهو ما كان على النقيض من التعديلات التي أجراها فيوكتستوف على «فوسخود» في عام 1964، التي أدت إلى ظهور أول مركبة فضائية في العالم تقل ثلاثة رواد فضاء. مر عقد من الزمان قبل أن ينطلق السوفييت مرة أخرى بمركبة على متنها طاقم من ثلاثة أفراد.

خلال الأسبوع نفسه الذي قضى فيه رواد الفضاء نحبهم، أجرت «إن-1» محاولة أخرى. مع خروجها من البرج، تسببت قوى ديناميكية هوائية غير متوقعة في دورانها بسرعة حول محورها؛ مما أدى إلى تحطم الهيكل الداعم بين صاروخي المرحلتين الثانية والثالثة؛ انفصل صاروخ المرحلة الثالثة، وهو صاروخ ضروري في حد ذاته كان يحمل نموذجا محاكيا لمركبة الفضاء القمرية. تحطم الصاروخ وانفجر قرب منصة الإطلاق. واصل «إن-1» طريقه بما تبقى من أجزائه، دون إدراك انفصال رأسه آنذاك. استمرت حركة الدوران؛ إذ تعطل نظام التوجيه - الذي أجهد أيما إجهاد - بينما كان يحاول وقف حركة الدوران. كانت محركات صاروخ المرحلة الأولى تبلي بلاء حسنا، بيد أن نظام «كورد» أوقفها جميعا. انحنى الصاروخ القمري المقصوم خلال السماء مثل قذيفة مدفعية هائلة، وعندما اصطدم بالأرض، على مسافة اثني عشر ميلا من موقع الإطلاق، انفجر أيضا، وخلف فوهة عرضها مائة قدم.

مضى عام ونصف عام آخر، ثم في نوفمبر 1972 - بعد خمسة عشر عاما من رحلتي «سبوتنيك» الأوليين - كان «إن-1» جاهزا لإجراء محاولة أخرى. كاد الصاروخ ينجح في الانطلاق هذه المرة؛ حيث حلق على نحو عادي خلال الثواني التسعين الأولى. في تلك اللحظة، توقف ستة محركات في مركز صاروخ المرحلة الأولى مثلما كان مخططا له، للحد من تسارع المركبة، بينما واصلت محركات الصاروخ الأربعة والعشرون الأخرى توفير قوة الدفع. لسوء الحظ، كان توقف المحركات فجائيا أكثر مما ينبغي، وأدى تأثير ظاهرة الطرق المائي إلى تصدع بعض أنابيب الوقود، فاندلع حريق. لم يعمل نظام مكافحة الحرائق باستخدام غاز الفريون، فبدأت المحركات في الانفجار عند الثانية 105 من وقت الإطلاق، وبعدها بثانيتين، أوقف نظام «كورد» ما تبقى من محركات. عندئذ، كان الأوان قد فات؛ إذ انفجر الصاروخ بأسره. سقط صاروخ المرحلة الأولى خلال عشر ثوان من لحظة الانفصال العادية، بينما كان صاروخ المرحلة الثانية سيبدأ في العمل.

كان هذا السجل الحافل من الفشل الذريع يتناقض على نحو مرير مع سجل فون براون من النجاح الكامل. خلال أكثر من ثلاثين عملية إطلاق لصواريخ طراز «ساتورن» بين عامي 1961 و1975، بما في ذلك ثلاثون صاروخا من طراز «ساتورن 5»، بلغت جميع الصواريخ مداراتها أو حققت أهدافها دون المدارية. مع أخذ الاستثناء المهم للصاروخ «ساتورن 5» الثاني في الاعتبار، كانت جميع صواريخ المراحل العليا في أبريل 1968 تعمل كما يجب؛ ويمكن تلخيص السبب في كلمة واحدة، وهي الاختبار.

كان «أبولو»، بالنسبة إلى من عملوا في البرنامج، تدريبا على الاختبار في المقام الأول. بدأ البرنامج حرفيا عند مستوى الصواميل والمسامير. أخبر تشارلي فيلتز - أحد الأفراد البارزين في قوات ستورم - ذات مرة لجنة الفضاء في مجلس النواب، أن خام الحديد المصنوعة منه أدوات التثبيت والربط هذه جاء من قطاع معين في منجم مفتوح في سلسلة جبال مسابي، قرب دولوث، بولاية مينيسوتا. ثم مرت المسامير في تصنيعها بإحدى عشرة خطوة، وكان يجب التصديق على المنتج واعتماده في كل خطوة، من خلال اختبارات دقيقة. جرى هذا التصديق على السبيكة المصهورة من الخام، والقضيب الحديدي المشكل من السبيكة، وقضيب الفولاذ المستخلص من القضيب الحديدي، فضلا عن المسامير نفسها المفرزة من قضيب الفولاذ. كانت تكلفة أدوات التثبيت والربط الناتجة أعلى خمسين مرة من المسامير التي ربما كان فيلتز يشتريها من محل لبيع الأدوات المعدنية، بيد أن الأمر كان يتطلب ذلك لإرسال رواد فضاء إلى القمر.

لم يتعامل الروس مع الأمر على هذا النحو. على وجه التحديد، لم يكن للبرنامج السوفييتي للهبوط على سطح القمر منصة إطلاق كبيرة يمكنها أن تستوعب صاروخ المرحلة الأولى من «إن-1»، بمحركاته الثلاثين، على الرغم من أن كوزنيتسوف قد أجرى اختبارات على محركات صواريخه. على النقيض من ذلك، كانت تجري عمليات تشغيل استاتيكية في منشأة اختبارات المسيسيبي حتى لأكبر الصواريخ المرحلية الكاملة في الصاروخ «ساتورن 5». على حد تعبير ميشن «كنا نجري اختبارات على الأجزاء المنفصلة، ولم نجرؤ حتى على التفكير في تشغيل المحركات الثلاثين جميعا في صاروخ المرحلة الأولى كنموذج مجمع كامل. ثم جرى تجميع الأجزاء، دون ضمانات، بالطبع، على سلامة عملها كمجموعة.»

صفحه نامشخص