عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء

محمد سعد طنطاوي d. 1450 AH
167

عد تنازلي: تاریخ رحلات الفضاء

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

ژانرها

لحسن الحظ، كانت لا تزال لديهم المركبة القمرية، التي كانت بمنزلة قارب نجاة بالنسبة إليهم. كانت المركبة تحتوي على محرك جيد، قادر على تنفيذ عمليات الاحتراق الكفيلة بأن تضعهم في مسار آمن حول القمر والعودة إلى الأرض. لكن، لم تكن بطارية المركبة القمرية تكفي للبقاء سوى يومين فقط على سطح القمر، واضطر الطاقم إلى مد هذه الفترة إلى أربعة أيام، وهو الوقت المستغرق للعودة إلى الأرض؛ مما كان يعني إغلاق جميع الأجهزة الممكنة، بما في ذلك الكمبيوتر. كان الأمر يعني أن تتحول القمرة إلى كهف رطب وشديد البرودة، في ظل درجات الحرارة التي في نطاق الأربعينيات، والرطوبة التي تتكثف مكونة كرات وشرائح مياه على النوافذ وألواح المعدات.

كانت لدى الطاقم كمية وافرة من الأكسجين، لكن المركبة القمرية لم يكن لديها ما يكفي من عبوات هيدروكسيد الليثيوم للتخلص من ثاني أكسيد الكربون الذي كان أفراد الطاقم يزفرونه. كانت ثمة عبوات إضافية في المركبة الفضائية، لكن المركبتين بنتهما شركتان متعاقدتان مختلفتان، ولم تكن أي عبوة من المركبة الفضائية ستصلح في المركبة القمرية. كان الشكل مختلفا؛ حيث كان أشبه حرفيا بمسمار مربع في ثقب مستدير. كان المراقبون الأرضيون في هيوستن على دراية بمكونات المعدات الموجودة على متن المركبة، وأخبروا الطاقم بكيفية تجهيز مأوى جديد من الأجزاء المتبقية، التي تمثلت في ورق مقوى من غلافي كتاب حول خطط الطيران، وأكياس تخزين بلاستيكية، وشريط لحام رمادي. في عالم التكنولوجيا المتقدمة، كانت هذه البدائل ضمانا لتحقيق الحد الأدنى من البقاء على الحياة؛ حيث نجحوا في تقليل تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى مستوى آمن. نجح رواد الفضاء الثلاثة في «أبولو 13» - وهم جيم لوفيل، قائد البعثة، فضلا عن رائدي الفضاء المبتدئين جون سويجرت وفريد هيز - في تخطي الأزمة والعودة.

شعر مئات الملايين من البشر حول العالم بالقلق والترقب أثناء متابعتهم للأنباء؛ صلى كثيرون، وأدى البابا صلاة خاصة، وفي واجهات العرض بمتاجر بيع التليفزيونات، احتشد المارة في أعداد غفيرة. كان نيكسون قد خطط لإلقاء خطاب مهم حول تقليل أعداد القوات في فيتنام، لكنه أجل الخطاب حتى وقت لاحق في ذلك الشهر. ربما تابع البث المباشر لهبوط المركبة الناجح على سطح الماء أكبر عدد في التاريخ من جماهير المشاهدة التليفزيونية على مستوى العالم، وعندما اتضح أن رواد الفضاء سالمون، أجهشت النساء في البكاء بينما هلل الرجال وتعالت صيحاتهم.

كانت ناسا أيضا بصدد تطوير معدات بعثة «أبولو»؛ حيث كانت تعمل على توفير إمدادات إضافية تسمح لرواد الفضاء بالمكوث على القمر لمدة تصل إلى ثلاثة أيام. كان هاريسون شميت، أحد علماء الجيولوجيا، مدرجا على القائمة كأحد أفراد الطاقم في رحلة قادمة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح لدى رواد الفضاء المستقبليين حوامة قمرية، وهي عبارة عن مركبة تعمل باستخدام البطارية، ذات مقاعد فردية وتوجيه كهربي. استطاعت الحوامة التجول لمسافة عشرين ميلا بعيدا عن المركبة القمرية، على الرغم من أن ناسا قللت هذه المسافة إلى ستة أميال بحيث يتمكن أفراد الطاقم من العودة سيرا على الأقدام في حال تعطل العربة.

مع ذلك، بلغت تكلفة كل بعثة من بعثات «أبولو» 400 مليون دولار أمريكي؛ كان هذا المبلغ المالي، في حال منحه لجامعة واستثماره بنسبة 6 في المائة، سيغطي رواتب ثلاثمائة أستاذ جامعي موفرا في الوقت نفسه أكثر من 10 ملايين دولار أمريكي سنويا لصالح صندوق استثمار عقاري؛ كل ذلك دون الانتقاص من رأس المال الأصلي. على النقيض من ذلك، كان مجال العلوم القمرية في «أبولو» منحصرا غالبا في النطاق الضيق للجيولوجيا الميدانية. دعمت الصخور التي جلبتها بعثة «أبولو» من القمر عمل مجموعة صغيرة فقط من مراكز البحوث المتخصصة - لا سيما مختبر الاستقبال القمري في هيوستن - مختبر «لوناتيك أسايلوم» البحثي الذي كان يديره جيرالد وازربرج في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. ولم تكن النتائج العلمية لهذه المراكز مبهرة؛ حيث لم تكن أكثر من وصف مادي للصخور نفسها. لم تلق هذه النتائج إلا قليلا من الضوء على مسائل مشوقة ومهمة مثل أصل الأرض، أو النظام الشمسي.

أجبرت عمليات خفض الميزانية في عام 1969 مدير ناسا توم بين على إلغاء إحدى بعثات «أبولو» ومد الجدول الزمني للرحلة بالنسبة إلى بقية البعثات. شهد صيف عام 1970 مزيدا من عمليات خفض التمويل؛ في سبتمبر، مع تأثر الوكالة بهذه الاستقطاعات الجديدة، ألغى بين بعثتين أخريين، وهو ما كان يعني أن «أبولو 17» ستصبح البعثة الأخيرة. حاول بين التعامل مع الأمر على أفضل وجه بالإشارة إلى أن هذا القرار سيصب في صالح صاروخي «ساتورن 5»؛ ومن ثم سيقدم فرصا جديدة من شأنها أن تمنح ناسا مرونة في تخطيطها المستقبلي، لكنه لم يكن مدركا لتبعات ذلك القرار؛ إذ لم يتلق أي من صاروخي التعزيز مهمة جديدة. انتهى المطاف بكلا الصاروخين بأن عرضا في مراكز ناسا في هيوستن وكيب كانافيرال أمام الجمهور.

كان ثمة اهتمام داخل ناسا بإطلاق «سكايلاب» ثانية. كانت التصورات الموضوعة لهذا المشروع تقضي بإمكانية استخدام أحد صاروخي التعزيز «ساتورن 5» كمركبة إطلاق لمحطة الفضاء الجديدة، وكانت لا تزال توجد أعداد قليلة من صواريخ «ساتورن 1-بي» لنقل رواد الفضاء إلى المحطة؛ لكن هذا الأمر كان سيتكلف 1,5 مليار دولار أمريكي، في حين أنه لم يكن يقدم ما هو أكثر من مجرد تكرار لمحطة «سكايلاب» الفضائية المعتمدة، ولم تكن الأموال متوافرة أساسا في الميزانية. كان من المقرر أن يتضمن البرنامج بناء محطة «سكايلاب» ثانية جاهزة للاستخدام كمحطة احتياطية، بيد أنها لم تنطلق قط؛ ففي عام 1976، أهدت ناسا المحطة إلى متحف الطيران والفضاء الوطني، حيث لا تزال معروضة هناك إلى يومنا هذا.

عندئذ فقط، في نهاية عام 1970، واجهت ناسا شتاء مفعما حقا بمشاعر الاستياء والامتعاض. كانت بعثة «أبولو» على وشك الانتهاء، بينما كانت «سكايلاب» ستنطلق دون رحلات متابعة. كان برنامج المكوك الفضائي/المحطة الفضائية في خطر؛ حيث كان عرضة للهجوم مع أقل زيادة في المشاعر المناهضة التي كانت تجتاح الكونجرس. كان السيناتور مونديل ينطق بلسان معظم العامة عندما هاجم برنامج المكوك الفضائي/المحطة الفضائية قائلا: «أعتقد أن من المؤسف الشروع في تنفيذ مشروع بهذه التكلفة الهائلة، في الوقت الذي يعاني كثير من مواطنينا من سوء التغذية؛ في الوقت الذي تعاني أنهارنا وبحيراتنا من التلوث؛ في الوقت الذي تلفظ مدننا ومناطقنا الريفية أنفاسها الأخيرة. ما هي قيمنا؟ ما الأهم في اعتقادنا؟»

4

لكن، كانت لدى بين وزملائه ورقة أخرى يلعبون بها؛ لم يكن من الممكن لمحطتهم الفضائية التي تحمل على متنها اثني عشر شخصا أن تعمل دون المكوك الفضائي، لكن كان من الممكن استخدام المكوك الفضائي بمفرده، بوصفه مركبة إطلاق متعددة الأغراض. مع تكلفة الإطلاق المنخفضة، التي تقل بكثير عن أي صاروخ تعزيز قابل للاستهلاك، كان من المتوقع أن المكوك الفضائي سيجعل هذه الصواريخ القابلة للاستهلاك مهجورة وغير مستخدمة، فضلا عن أنه كان سيستمر ليحمل جميع الحمولات المستقبلية؛ وهو ما كان سيحققه من خلال إدخال أسلوب إعادة الاستخدام المماثل لما في الطائرات؛ ومن ثم يصبح مركبة تفي بكل الأغراض للجميع. مع ذلك، كان هذا الاحتمال سيسمح لناسا بالمضي قدما في برنامج المكوك الفضائي ليكون برنامجها المأهول الكبير القادم، والحفاظ على كيانها بوصفها الوكالة التي صارت إلى ما صارت إليه، والتي لديها رغبة قوية في البقاء والاستمرارية.

صفحه نامشخص