ومن التجارب التي دل عليها التاريخ الحديث كما دل عليها التاريخ القديم أن السلطة لا غنى عنها لإنجاز وعود المصلحين ودعاة الانقلاب ... ومن تلك التجارب تجربة فرنسا في القرن الماضي، وتجربة روسيا في القرن الحاضر، وتجربة مصطفى كمال في تركيا، وتجارب سائر الدعاة من أمثاله في سائر الدنيا.
فمحاربة السلطة بالقوة غير محاربة الفكرة بالقوة ... ولا بد من التمييز بين العملين؛ لأنهما جد مختلفين.
والحقيقة الثالثة:
أن الإسلام لم يحتكم إلى السيف قط إلا في الأحوال التي أجمعت شرائع الإنسان على تحكيم السيف فيها ...
فالدولة التي يثور عليها من يخالفها بين ظهرانيها، ماذا تصنع إن لم تحتكم إلى السلاح؟ وهذا ما قضى به القرآن الكريم حيث جاء فيه:
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (البقرة: 193).
والدولة التي يحمل أناس من أبنائها السلاح على أناس آخرين من أبنائها، بماذا تفض الخلاف بينهم إن لم تفضه بقوة السلطان؟
وهذا ما قضى به القرآن الكريم أيضا حيث جاء فيه:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (الحجرات: 9).
وفي كلتا الحالتين يكون السلاح آخر الحيل، وتكون نهاية الظلم والاعتداء نهاية الاعتماد على السلاح ... ثم يأتي الصلح والتوفيق، أو يأتي التفاهم بالرضا والاختيار.
صفحه نامشخص