ولكنه ودى
4
مالكا واستدعى خالدا إليه، فلما قدم إلى المدينة رأى عمر منه ما زاده غضبا وشدة في طلب القود
5
منه. رآه قد دخل المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما، فنهض إليه فنزعها وحطمها وصاح به: «قتلت امرءا مسلما، ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنك بأحجارك.»
فتركه خالد ولقي الخليفة فاعتذر إليه. فعنفه الخليفة وأمره أن يفارق ليلى ثم عفا عنه واستبقى خدمته، فعاد خالد إلى المسجد وفيه عمر ... فبادره حين رآه مناجزا: هلم إلي ابن أم شملة، فعرف عمر أن الخليفة قد عفا عنه، فلم يكلمه ودخل بيته.
وحسبنا من هذه الأقوال جميعا أن نقف منها على الثابت الذي لا نزاع فيه ... والثابت الذي لا نزاع فيه أن وجوب القتل لم يكن صريحا قاطعا في أمر مالك بن نويرة، وأن مالكا كان أحق بإرساله إلى الخليفة من زعماء فزازة وغيرهم الذين أرسلهم خالد بعد وقعة البزاخة، وأن خالدا تزوج امرأة مالك وتعلق بها وأخذها معه إلى اليمامة بعد لقاء الخليفة.
وأوجب ما يوجبه الحق علينا بعد ثبوت هذا كله أن نقول: إن وقعة البطاح صفحة في تاريخ خالد كان خيرا له وأجمل لو أنها حذفت ولم تكتب على قول من جميع تلك الأقوال؛ لأنها لم تضف إلى فخاره العسكري كثيرا ولا قليلا، وأهدفته لملام أحمد ما يحمد منه أن له عذرا فيه، يقبله أناس ولا يقبله آخرون. •••
يجب تقدير هذا عند تقرير خالد؛ لأنه الحق الذي لا يعلو على ميزانه ميزان في ترجيح الرجال والأعمال ...
ولأن الرجل الذي يخشى على قدره من تقرير أخطائه رجل لا يستحق أن يكتب له تاريخ؛ إذ معنى الخشية عليه من أخطائه أنه فقير في الحسنات والعظائم، وأنه من الفقر في هذا الجانب بحيث تعصف الأخطاء بعظائمه وحسناته، ولم يكن خالد بن الوليد كذلك، بل كانت له في ميزات العظمة والعبقرية كفة راجحة، ولم يكد يرحل عن البطاح حتى اتصلت له حلقات من كبار الأعمال توزع على عشرة رجال ويجد كل منهم في نصيبه كفايته من الفضل والرجحان.
صفحه نامشخص