فالمصادفة لا محل لها في حوادث الوجود، ولا تطرد في قتال بعد قتال، من جوف الصحراء إلى عمران العراق والشام ومصر ومشارق الأرض ومغاربها بين إفريقية والصين.
وانحلال دولة من الدول قد يفنيها ويعجزها عن النصر، ولكنه لا يقيم دولة أخرى لم تتجمع لها أسباب النهوض والتمكين.
والعقيدة قوة لا غناء عنها بقوة أخرى لمن يفقدها، ولكنها هي وحدها لا تغني عن الخبرة والاستعداد، ولا تفسر لنا اختلاف النجاح باختلاف الخطط والقواد. وقد كان المسلمون على عقيدتهم الراسخة يوم لقائهم هوازن وشيعتها بوادي حنين، فأوشكوا أن ينهزموا؛ لاعتدادهم بكثرتهم وقلة مبالاتهم بعدوهم، وأوشكت عاقبة الاستخفاف هنا أن تصيب المسلمين كما أصابت الفرس والروم، وفي ذلك يقول القرآن الكريم:
ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (التوبة 25).
فمهما يهرب هؤلاء المؤرخون من الحقيقة، فلا محيص لهم من الرجوع إليها لفهم الغلبة الإسلامية، أو فهم الهزيمة الفارسية والرومانية. وهذه الحقيقة هي أن المسلمين كانوا أيضا أخبر بالفنون العسكرية من أهل فارس والروم، وكانوا أقدر على تنفيذ الخطط العسكرية التي تنفعهم من قواد تينك الدولتين، وإن البادية العربية سواء في عصور الجاهلية أو صدر الإسلام لم تكن من الجهل بفن الحرب بتلك الحالة التي توهمها المؤرخون الأوربيون؛ بل معظم المؤرخين عامة ولا نحاشي
1
منهم العرب والمسلمين ... •••
فالصورة الشائعة في خيال أكثر القارئين عن البادية أن حروب الصحراء لم تكن إلا مشاجرات بالسيوف والرماح أو بالقسى والمقاليع، لا ترجع إلى نظام ولا تنهج على خطة، ولا يخلص منها فن يتعلمه المتعلم، ويتلقاه اللاحق عن السابق، وقوام أمرها شراذم من السطاة
2
والمغيرين سرعان ما تقبل حتى تدبر، وقصارى ما تعرفه من أساليب القتال أن تفر بعد الكر أو تكر بعد الفرار.
صفحه نامشخص