وإذا حرمهم وتألبوا عليه مع خصمه، أفهو الغالب إذن بمطالب العصر ومقتضياته ودواعيه أم هم الغالبون؟
وإذا أعطاهم ليبذخوا بذخ الملك الدنيوي وهو وحده بينهم الناسك المجتهد على سنة النبوة، أفيستقيم له هذا الدور العجيب، وهو في جوهره متناقض لا يستقيم؟ ...
فالسياسة التي اتبعها الإمام هي السياسة التي كانت مقيضة له مفتوحة بين يديه، وهي السياسة التي لم يكن له محيد عنها، ولم يكن له أمل في النجاح إن حاد عنها إلى غيرها ... سواء عليه اتفق جنده بضربة من الضربات القاضية، أم لم يتفقوا على دأبهم الذي رأيناه؛ وسواء لان لطلاب الدولة الدنيوية أم صمد على سنة النبوة والخلافة النبوية. •••
ومهما يكن من حكم الناقدين في سياسة الإمام، فمن الجور الشديد أن يطالب بدفع شيء لا سبيل إلى دفعه، وأن يحاسب على مصير الخلافة، وهي منتهية لا محالة إلى ما انتهت إليه ...
ومن الجور الشديد أن يلقى عليه اللوم لأنه باء بشهادة الخلافة، ولا بد لها من شهيد ...
وقد تجمعت له أعباء النقائض والمفارقات التي نشأت من قبله، ولم يكد يسلم منها خليفة من الخلفاء بعد النبي صلوات الله عليه ...
أحس بها الصديق، فمات وهو ينحي على الصحابة، ويحذرهم بوادر الترف الذي استناموا إليه ...
وأحس بها الفاروق وأثقلت كاهله، وهو الكاهل الضليع بأفدح الأعباء ... فضاق ذرعا بالحياة، وطفق يقول في سنة وفاته: «اللهم كبرت سني وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ... اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك.»
وأحس بها عثمان، فما فارق الدنيا حتى ترك الخلافة والملك عسكرين متناجزين، لا يرجع أحدهما إلا بالغلبة على نده وضده ...
إلا أن الخلافة الإسلامية، مسألة عالمية لا توزن بميزان واحد، ولا يؤتم فيها برأي واحد ولا بحق واحد، وقد يضحى في سبيلها بالعظيم والعظماء، إذا تعارضت الحقوق وتشعبت الآراء ...
صفحه نامشخص