وعد الخليفة وعده الأخير ... ليصلحن الأحوال ويبدلن العمال ...
وأحاطت به بطانته كدأبها في أثر كل وعد من هذه الوعود، تنهاه أن ينجزه وتخيفه من طمع الناس فيه، إن هو أنجز ما وعدهم حين توعدوه.
وكانت المرأة أصدق نظرا من الرجال في هذه الغاشية التي تضل فيها العقول ... فأشارت عليه امرأته السيدة نائلة باسترضاء علي، والإعراض عن هذه البطانة، ولم يكن أيسر على بطانته من إقناعه بضعف هذا الرأي بعد سماعه من امرأة ضعيفة، فكان مروان يقول له: «والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها» ...
وكان هو يأذن له أن يخرج ليكلم الناس، فلا يكلمهم إلا بالزجر والإصرار ... كما قال لهم يوما: «ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم جئتم لنهب، شاهت الوجوه ... جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا ... ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبون على ما في أيدينا.»
إذن بطلت الروية، ولم يبق إلا لحظة طيش لا يدرى كيف تبدأ، ولا يؤتى لأحد إذا هي بدأت أن يقف دون منتهاها . •••
هجم الثوار على باب الخليفة، فمنعهم الحسين بن علي وابن الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وطائفة من أبناء الصحابة ...
واجتلدوا فمنعهم عثمان، وقال لهم: «أنتم في حل من نصرتي.» وفتح الباب ليمنع الجلاد حوله ... ثم قال رجل من أسلم يناشد عثمان أن يعتزل، فرماه كثير بن الصلت الكندي بسهم فقتله، فجن جنون الثوار يطلبون القاتل من عثمان، وعثمان يأبى أن يسلمه، ويقول لهم: «لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي ...» وعز على الثوار أن يدخلوا من الباب الذي كان قد أغلق بعد فتحه، فاقتحموا الدار من الدور التي حولها ... وأقدموا على فعلتهم النكراء بعد إحجام كثير.
لو لم تقع الواقعة في هذه اللحظة الطائشة، لوقعت في لحظة غيرها لا يدرى كيف تبدأ هي الأخرى ... فإنما هي بادرة واحدة من رجل واحد تسوق وراءها كل مجتمع حول الدار من المهاجرين أو المدافعين، ولا أكثر من البوادر بين ثوار لا يجمعهم رأي، ومدافعين لا يضبطهم عنان ...
ونقل الخبر إلى المسجد، وفيه علي جالس في نحو عشرة من المصلين، فراعه منظر القادم وسأله: «ويحك ما وراءك؟» قال: «والله قد فرغ من الرجل.» فصاح به: «تبا لكم آخر الدهر ...» وأسرع إلى دار الخليفة المقتول ... فلطم الحسن، وضرب الحسين، وشتم محمدا بن طلحة وعبد الله بن الزبير وجعل يسأل ولديه: «كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟» فأجابه طلحة: «لا تضرب يا أبا الحسن ولا تشتم ولا تلعن، لو دفع مروان ما قتل.» •••
قال سيف بن عمر عن جماعة من شيوخه: «بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان، وأميرها الغافقي بن حرب، يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر، والمصريون يلحون على علي وهو يهرب إلى الحيطان،
صفحه نامشخص