قال الأمير عبد الله: «لقد زدته جمالا بخطك الأنيق.» قال ذلك وتناول كتاب «الأمالي» بيده، ولم يكد يفتحه حتى قالت: «أليس هذا كتاب «الأمالي» للقالي؟»
فاستغرب الأمير عبد الله معرفتها إياه، وهو يحسب أن الكتاب لم يره أحد سواه بعد أخيه الحكم، فقال لها: «وهل قرأته؟»
قالت عابدة: «تصفحته على عجل فحفظت منه شيئا علق بذهني، أتلو عليك منه إذا شئت ما يتعلق بأخبار أجدادكم بني أمية في الشام.»
فأبرقت أساريره إعجابا وسرورا، وقال لها: «اقرئي علينا ما يخطر لك.»
قالت عابدة: «هل أقص عليك حديث عبد الملك بن مروان لما خرج لقتال مصعب بن الزبير؟ إن عبد الملك كان رجلا شديدا استخلص الخلافة لنفسه، وكان طلابها كثيرين. حاربهم واستقل بها. يعجبني من حماسته وعلو همته خروجه لمحاربة مصعب من الشام إلى العراق، وقد أرادت أم يزيد ابنه (امرأته) منعه عن المسير فقالت: «يا أمير المؤمنين لو أقمت وبعثت إليه لكان الرأي.» فقال لها: «ما إلى ذلك سبيل.» فلم تزل تمشي معه وتكلمه حتى اقترب من الباب، فلما يئست منه رجعت، فبكت وبكى الخدم معها، فلما علا الصوت رجع إليها عبد الملك فقال: «وأنت أيضا ممن يبكي؟ قاتل الله كثيرا كأنه يرى يومنا هذا حيث يقول:
إذا ما أراد الغزو لم تثن همه
حصان عليها نظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه
بكت فبكى مما شجاها قطينها»
ثم عزم عليها بالسكوت وخرج. إن عبد الملك أيها الأمير رجل طالب معال؛ ألم تره لم ينفك عن الخلافة حتى نالها، فقال فيه كثير:
صفحه نامشخص