عبد الرحمن الناصر

جرجی زیدان d. 1331 AH
173

عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر

ژانرها

وبينما سعيد في تلك الهواجس وقد استبد به الأرق، ولم يبق في ذلك المكان ساهر سواه، وقد ساد السكون على القصر، ولم يعد يسمع إلا خرير الماء في برك الحديقة، وفي البركة الداخلية في بيت المنام، وكان يحمل نفسه على النوم ويحاول نسيان تلك الأفكار عبثا، وبينما هو في ذلك الهدوء والظلام سائد إذ سمع حركة في غرفته، فجلس فرأى شبحا داخلا عليه عرف حالا أنه عابدة، وما زالت تمشي الهوينى حتى رأته قد جلس على فراشه، فأسرعت إليه وجثت بين يديه وقالت: «بالله يا سعيد، إلى متى تضحك مني؟»

فأظهر الاستغراب وقال: «أضحك منك؟! ما هذا الكلام؟» قالت وصوتها مختنق: «نعم تضحك مني وتهزأ بحبي.»

قال سعيد: «دعي عنك الأوهام.»

قالت عابدة: «يكفيني ما قاسيته من الصبر على وعودك. قل لي: إني لا أحبك، ودعني أمضي لسبيلي.»

قال سعيد: «كيف أقول لك ذلك، وأنت تعلمين أني أحبك؟! ولكننا لم نفرغ من مهمتنا بعد، وأنت على بينة من كل شيء.»

قالت عابدة: «نعم أنا على بينة من كل شيء؛ ولذلك لم أعد أستطيع صبرا.»

فأدرك أنها تشير إلى اطلاعها على شيء يكتمه عنها، فقال: «ماذا تعنين؟»

قالت عابدة: «أعني أنك شغلت عني ونسيت عابدة المسكينة!» وأجهشت بالبكاء، فأثر بكاؤها في قلبه وأحس أنه أساء إليها، ولكنه ما لبث أن تصور الزهراء حتى نسي إساءته، وجعل همه تدبير الوصول إليها، فقال: «دعي عنك هذه الأوهام، ومن يشغلني عنك؟! وإذا رأيت مني تقربا إلى أحد سواك فما ذلك إلا سعيا في الوصول إلى الغرض المطلوب الذي تعلمينه.»

فتنهدت تنهدا عميقا ورددت قوله: «الغرض المطلوب! آه من ذلك الغرض! ما كان أغنانا عنه! ولا أظننا نصل إليه مع ما يحدق بنا من العوائق.»

فأظهر أنه استاء مما صرحت به من الشك في سبيل ذلك الغرض، وقال: «لا تضعفي أملي في تحقيق الهدف المنشود.» وخفت صوته وقال: «سيأتي يوم نكون فيه ملوك هذه الجزيرة، وتكونين أنت ملكة عظيمة الشأن.»

صفحه نامشخص