عبد الرحمن الناصر

جرجی زیدان d. 1331 AH
142

عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر

ژانرها

الزهراء

كانت الزهراء إذا جالستها فأول ما يخاطبك عيناها، ثم لسانها، ثم يستولي عليك عقلها وظرفها، فلا تملك دفعا لما ترميك به من السهام النافذة تخترق الأحشاء، وكان في عينيها نور لا يعبر عنه بغير السحر، ولها قامة كالرمح مع بعدها عن الخلاعة والتبرج، وكانت فصيحة اللهجة، ذكية الفؤاد، سديدة الرأي مع تعقل ورزانة، يتهيب جليسها من حديثها، ويشعر بقوة حجتها وصحة برهانها.

وكان الناصر يأنس بمجلسها ويعجب بكل شيء تأتيه، فيرتاح إلى رؤيتها، ويطرب من حديثها أو غنائها، وكان إذا جالسها شغل بها عن كل شاغل، لكنه كان يلاحظ عليها في بعض الأحيان انقباضا لم يكن يعرف سببه. وقد تكون في مجلس طرب والخليفة إلى جانبها يطربها ويدللها، وهي في إبان فرحها، فتتغير سحنتها بغتة ويظهر عليها الانقباض رغم محاولتها إخفاءه عن الجلوس. وكثيرا ما سألها الناصر عن سبب ذلك التغيير وهي تنكره، أو تنتحل له سببا لا يقتنع به الناصر، ولكنه يجاريها.

فلما شاهد ما أتته في تلك الليلة أخذ يراجع تاريخ صلته بهذه المرأة لعله يرى موجبا لهذا التصرف، فلم يجد سببا يوجبه.

فتذكر ما كان يلاحظه عليها من الانقباض، فقال في نفسه: «لعل لهذا علاقة بذاك؟» ثم عزم على لقائها فبعث إليها كما تقدم ، فأدركت لذكائها أن الخليفة لم يبعث إليها إلا وفي نفسه شيء من العتاب؛ لأنها لاحظت في القصر حركة دلتها على أن الخليفة مشى نحو الحديقة، فلم تشأ أن تذهب إليه لعلمها أنه سيأتي إليها، وكان من عادتها أن تواجه العتاب بالغضب أو الدلال، وجعلت من أسباب مرضاته لبس ذلك الرداء الذي تعودت أن تلبسه كلما أرادت أن يكون الخليفة طوع إرادتها.

لبست ذلك الثوب وهو بلون السماء، وعليه تطريز من الفضة بأشكال النجوم وبينها القمر، وقد طرز على حاشية الثوب من أسفل هذان البيتان:

وإني لأهواه مسيئا ومحسنا

وأقضي على قلبي له بالذي يقضي

فحتى متى روح الرضى لا ينالني

وحتى متى أيام سخطك لا تمضي

صفحه نامشخص