عبد الرحمن الكواكبي
عبد الرحمن الكواكبي
ژانرها
يا رباه، إني أرى أشباح أناس يشبهون ذوي الحياة وهم في الحقيقة موتى لا يشعرون؛ بل هم موتى لأنهم لا يشعرون.
يا قوم! هداكم الله، إلى متى هذا الشقاء المديد، والناس في نعيم مقيم، وعز كريم، أفلا تنظرون؟!
وفي مثل هذا المقام يلتفت بعد ذلك بصفحات ليخاطب الشرق والغرب بهذا الخطاب؛ إذ ينادي الشرق، أولا، قائلا:
رعاك الله يا شرق! ماذا أصابك فأخل نظامك، والدهر ذاك الدهر ، ما غير وضعك ولا بدل شرعه فيك؟
رعاك الله يا شرق! ماذا عراك وسكن منك الحراك؟! ألم تزل أرضك واسعة خصبة ومعادنك وافية غنية، وحيوانك رابيا متناسلا، وعمرانك قائما متواصلا، وبنوك - على ما ربيتهم - أقرب للخير من الشر؟! أليس عندهم الحلم المسمى عند غيرهم ضعفا في القلب، وعندهم الحياء المسمى بالجبانة، وعندهم الكرم المسمى بالإتلاف، وعندهم القناعة المسماة بالعجز، وعندهم العفة المسماة بالبلاهة، وعندهم المجاملة المسماة بالذل؟ ... نعم ما هم بالسالمين من الظلم ولكن فيما بينهم، ولا من الخداع ولكن لا يفتخرون به، ولا من الإضرار ولكن مع الخوف من الله.
ثم يلتفت من خطاب الشرق إلى الغرب ليخاطبه على هذا النحو قائلا: رعاك الله يا غرب وحياك وبياك، قد عرفت لأخيك سابق فضله عليك، فوفيت وكفيت، وأحسنت الوصاية وهديت، وقد اشتد ساعد بعض أولاد أخيك، فهلا ينتدب بعض شيوخ أحرارك لإعانة أنجاب أخيك على هدم ذاك السور، سور الشؤم والسرور، ليخرجوا بإخوانهم إلى أرض الحياة، أرض الأنبياء الهداة.
يا غرب! لا يحفظ الدين غير الشرق إن دامت حياته بحريته، وفقد الدين يهددك بالخراب القريب ...
ولم يكن أسلوب المنبر ليسعده في جميع الأحوال؛ لأنه أسلوب لم يخلق له ولم يطبع عليه، ولكنه كان يكتب أحيانا ويحس أنه يثور ثورة الخطيب فيعمد تارة إلى أسلوب التوكيد والتثبيت، ويعمد تارة أخرى إلى أسلوب التصوير وتحريض الخيال، ولا يخطئه التوفيق أحيانا في هذا الأسلوب.
ومن ذلك قوله: «المستبد عدو الحق، عدو الحرية ... والحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام، نيام.»
أو قوله: «لو كان المستبد طيرا لكان خفاشا يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل، ولو كان وحشا لكان ابن آوي يتلقف دواجن الحواضر في ظلام الليل.»
صفحه نامشخص