لماذا؟
بالذات لكي تجهض حملة القوادين ...
كان واضحا أن نقد عبد الناصر، ومراجعة الماضي بكافة تفاصيله، أصبح أهم ما يشغل الناس، وأن السبيل الوحيد إلى منع القوادين من استثمار هذه الحقيقة هي طرح طراز آخر، محترم، من النقد والمراجعة.
وليكن مضمون هذا النقد الآخر خاطئا، أو صائبا، وليكن ظالما أو منصفا ولنكن موافقين عليه أو رافضين له. فالمهم هو أنه يرتفع بمستوى نقد عبد الناصر من لغة المواخير إلى لغة مدرجات الجامعة. وأنه يحول هذا النقد من لعبة في مدينة الملاهي إلى قضية تستثير التفكير الجاد.
وفي التجربة ثبت أن «روز اليوسف» لم تخطئ عندما أقدمت - في 14 أبريل 1975م - على نشر بحث الدكتور زكريا ... برغم معارضة كتابها السياسيين.
فقد ماتت بالسكتة حملة القوادين بمجرد نشر الحلقة الأولى من البحث، وانصرف الرأي العام عن متابعة بضاعتهم المبتذلة، إلى متابعة المناقشة الموضوعية الراقية في «روز اليوسف».
وبعد أن كان الرأي العام يقرأ حملات القوادين ثم ينام، أصبح يقرأ حملة فؤاد زكريا ثم يسهر، ويكتب ردا عليها، أو تأييدا لها، أو اعتراضا على بعضها وموافقة على بعضها الآخر.
وهكذا انتقلت قضية «عبد الناصر» من عالم باعة الفضائح إلى عالم المشتغلين بالسياسة والفكر، وتحولت من مخدر لعقول الناس إلى محرك لها، وحافز لهم على الكتابة والتفكير.
وقبل أن تنشر الحلقة الثالثة والأخيرة من بحث الدكتور زكريا، كانت «روز اليوسف» قد تجمع لديها سيل من رسائل القراء ... يتراوح طول كل منها ما بين صفحة ومائة صفحة. وكل سطر فيها جدير بالاحترام؛ لغة ومعنى، تجربة وفكرة ... بصرف النظر عن مدى الصواب أو الخطأ فيما تقول ...
ولم تكن «روز اليوسف» في حاجة إلى دليل أبلغ من هذا على صواب قرارها بنشر بحث الدكتور؛ فها هو الموضوع الذي كان تجارة قد صار قضية، وها هو الجمهور الذي كان يقرأ نقد عبد الناصر على سبيل الاستمتاع الرخيص أصبح يقرؤه على سبيل الفهم والتفهم، وأصبحت القراءة تحفزه على التفكير والتحليل ... وعلى الكتابة أيضا.
صفحه نامشخص