فتهيب إسماعيل من غضب الرشيد، ولم يفته الأمر الذي سمعه يلمح إليه؛ فإن خبر العباسة بلغه على علاته وهو على خلاف رأيه، فتجاهل، ولو رأى مجالا للكلام ما تكلم لئلا يجر الكلام إلى الجدال بلا فائدة؛ لعلمه بشدة غيرة الرشيد على العرض، وحرصه على شرف بني هاشم، فظل ساكتا.
ثم سمعا الآذان لصلاة الظهر، فنهض الرشيد، ونهض إسماعيل واستأذن وخرج.
الفصل السابع والستون
الحسن والحسين
أما الرشيد فأمر صاحب وضوئه فجاءه بالماء فتوضأ وخرج للصلاة في المسجد، فصلى بالناس جماعة ورجع إلى داره، فأنفذ بعض خاصته للقبض على والد جعفر وأخيه وجميع أولاده، وعلى قصورهم ودورهم، واستباح ما فيها، فاستولى رجاله على ما وجدوه هناك من الجواري، واستبقوهم لخدمتهم، إلا ريحان وعتبة؛ فإنهما فضلا اللحاق بمن قتل، فقاوما بعض الذين جاءوا للنهب فقتلوهما، ووجه الرشيد مسرورا إلى معسكر جعفر في النهروان، فأخذ جميع ما فيه من مضارب وسلاح وخيام وغير ذلك.
وأصبح الرشيد يوم السبت وقد قتل من البرامكة وحاشيتهم ألف إنسان، وترك من بقي منهم لا يرجع إلى وطنه، وحبس يحيى بن خالد؛ والد جعفر، والفضل بن يحيى؛ أخاه، في مطمورة، وأمر بصلب جثة جعفر على جسر بغداد، فصلبت.
فلما اطمأن خاطره ذهب إلى زبيدة زوجته وأخبرها بما كان، فاستحسنت ذلك، ولكنها تذكرت الصبيين فقالت له: «لقد فعلت فعل أهل الحزم، وأنقذت الخلافة من الأعداء، ولكن ما الذي فعلته بالصبيين؟»
فأطرق الرشيد وأعمل فكرته، فابتدرته زبيدة قائلة: «إذا أردت محو العار الذي لحقنا، فبادر إلى إزالة أثره؛ لأن بقاء الصبيين وصمة باقية.»
فقال الرشيد: «وهل تعلمين مقرهما؟»
قالت زبيدة: «إذا شئت دللت خادمك على مكانهما.»
صفحه نامشخص