قالت العباسة: «نحن مسافرون، وأحب أن تخرج معنا.»
فقال أرجوان: «إني عبدك وطوع إرادتك.»
فقالت العباسة: «أتدري إلى أين؟»
فقال أرجوان: «إلى حيثما تشائين، ولو إلى القتل.»
قالت العباسة: «بورك فيك يا أرجوان، فاشتغل مع عتبة في إعداد ما يلزم وهي تنبئك بالخبر.»
فقال أرجوان: «سمعا وطاعة.» وخرج مع عتبة فقصت عليه ما هم فيه، فأخذ في التأهب.
فلنتركهم في ذلك ولنعد إلى الرشيد.
الفصل الرابع والخمسون
الرشيد وزبيدة
كان الرشيد أكثر كتمانا لسره مما ظهر لإسماعيل، فمع شدة ثقته به لم يطلعه على كل ما ينويه؛ لأن غضبه لإطلاق سراح ذلك العلوي ظل راسخا في نفسه، وقد ولى جعفر خراسان وعقد له عليها ليجربه ويستطلع كنه قلبه، فأهداه ذلك الخادم الجميل جاسوسا ينقل إليه أقواله. وكان الخادم المشار إليه واقفا ساعة زيارة إسماعيل، بحيث يسمع ما دار بينه وبين جعفر، فكتب بذلك إلى الرشيد حالا، فلما وصل كتابه إليه تحقق من سوء نية جعفر، فعاد إلى مخاوفه وكان جالسا على سريره، فلما قرأ الكتاب هب من مقعده وقد عظم الأمر عليه، ورأى الفرصة ضيقة لا تأذن بإعمال الفكرة، وخيل له أن وزيره إذا خرج من بغداد أفلت من بين يديه، وأهل خراسان طوع إرادته، فيسهل العصيان عليه. فلما تصور ذلك خفق قلبه وأشكل عليه أمره، فأخذ يخطر في الغرفة ذهابا وإيابا كأنه أصيب بجنة، وأحس بحاجته إلى من يباحثه في ذلك، ولم يعد يرى أن يخاطب إسماعيل بعد ما علمه من حديثه مع جعفر وصداقته له، وإن كان لا يشك في أمره، فإنه إنما يلتمس المداولة مع من يجاريه في عزمه، ولا يعارضه كما فعل إسماعيل.
صفحه نامشخص