فاستقام جسم الشيخ فخارا وقال: كنت حينذاك ضابطا صغيرا في فرقة الرماح ... وكانت سيرتي في الحرب إحدى المزايا التي رشحتني فيما بعد لمنصب مفتش عام الهرم الفرعوني.
ولم تنقطع ثرثرة بشارو، وكان ددف ينصت إليه حينا ويشرد أحيانا، وربما غلبه الألم فتبدو في عينيه نظرة حزينة، وكأن زايا كانت تلهم أحزانه إلهاما لأنها كانت صامتة ثقيلة القلب، فلم تتناول طعاما وقنعت من الوليمة بكوب من الجعة.
وأحب نافا أن تختم تلك الليلة ختاما سعيدا، فدعا زوجه مانا إلى العزف على القيثارة وإنشاد الأغنية الجميلة: «ظفرت في الحب والحرب» وكانت مانا ذات صوت رخيم، وكانت عازفة ماهرة، فملأت جو الغرفة نغما فاتنا وصوتا عذبا ...
واضطرمت في قلب الشاب نار موقدة لم يصل لظاها في الحاضرين سواه، وكان نافا أمعنهم في الجهل والسذاجة؛ فقد دنا من ددف وهمس في أذنه: أبشر خيرا أيها القائد، بالأمس ظفرت في الحب وستظفر غدا في الحرب.
فاستولى الذهول على ددف وقال: ما معنى قولك هذا؟
فابتسم المصور ابتسامة ماكرة وقال: أتظن أني نسيت صورة الفلاحة الجميلة؟ ... آه ما أجمل فلاحات النيل! ... إن الواحدة منهن لتتمنى أن ترقد بين يدي ضابط جميل على الحشائش الخضراء التي تكسو شاطئ النيل ... فما بالك لو كان هذا الضابط ددف الجميل الفاتن؟!
فقال له باستياء: صه يا نافا ... أنت لا تدري شيئا.
واهتاجه حديث نافا كما اهتاجه غناء مانا وأحس برغبة في الفرار، وهم بتنفيذ رغبته لولا تذكر أمه، ولاحت منه التفاتة إليها فرآها تديم النظر إليه، فخشي أن تقرأ صفحة قلبه بعينيها الملهمتين فيصيبها من ذلك حزن كبير، فابتسم إليها، وأقبل نحوها يختال في حبور وفرح.
26
وانبثق نور فجر الغد.
صفحه نامشخص