ثم سارت في طريقها إلى السفينة يحوطها الجلال والعظمة.
21
وظلت حياة ددف في قصر الأمير، لا يشرق في أفقها جديد، حتى كان يوم عرف فيه قلبه مشربا للألم جديدا.
في ذلك اليوم خرج صاحب السمو الأمير رعخعوف في بدلة التشريفة الكبرى، تتقدمه كوكبة من الحرس، كان بين ضباطها صديقه سنفر، وعاد الأمير لدى المساء، ورجع سنفر إلى مخدعه في الوقت الذي رجع فيه ددف إليه بعد قيامه بواجب الحراسة وتفقد الحراس، وكان من الطبيعي أن يسأل صاحبه عن دواعي خروج الأمير بتلك الحال التي لا تأتي إلا في الأعياد، ولكنه كان يعلم بطبعه الذي لا يستطيع السكوت على سر، وفي الواقع ما استراح سنفر قليلا حتى قال وهو يرتدي منامته: أتعلم إلى أين ذهبنا اليوم؟
فقال ددف بهدوء: كلا.
فقال سنفر باهتمام: حضر اليوم إلى منف صاحب السمو الأمير أبوور حاكم مقاطعة أرسينة، وكان ولي العهد في استقباله!
فسأله ددف: أليس سموه ابن خال جلالة الملك؟ - بلى، ويقال إن سموه جاء يحمل تقريرا عن قبائل سيناء التي تعددت حوادثها في ربوع الدلتا الشرقية. - إذن فسموه رسول حرب؟ - نعم يا ددف، والذي علمته يدل على أن ولي العهد كان يميل منذ زمن طويل إلى تأديب قبائل سيناء، وأن القائد أربو كان يؤيده في رأيه، ولكن الملك كان يفضل التريث ريثما تستعيد البلاد قواها بعد الجهد الجهيد الذي بذله في أوجه العمران وأخصها بناء هرم الملك. ولما مضت فترة الاستجمام استنجز الأمير فرعون ما وعد، ولكن يقال إن جلالة الملك منهمك هذه الأيام في تأليف كتاب عظيم يرجو أن يجعل منه للمصريين أكبر مرشد للدين والدنيا، فلم يبد جلالته استعدادا للتفكير جديا في مسألة الحرب، فاستعان الأمير رعخعوف بقريبه الأمير أبوور، واتفق معه على أن يحضر بنفسه ليطلع الملك على حقيقة عبث القبائل واستهتارها بهيبة الحكومة، وما يخشى من تماديها إذا طال السكوت عليها، فلا يبعد وقد أتى الأمير أن تسير فرقة من الجيش إلى الشمال الشرقي في القريب العاجل.
وساد الصمت فترة وجيزة، ثم قال سنفر بدافع من حب الكلام: وقد أولم جلالة الملك وليمة عشاء للأمير حضرها جميع أعضاء البيت الفرعوني، وعلى رأسهم جلالة الملكة والأميرات.
فخفق قلب ددف لدى ذكر الأميرات، وذكر الأميرة الفاتنة ذات البهاء والكبرياء، فتنهد وهو لا يدري تنهدا جذب إليه سمع سنفر، فنظر الشاب إليه منكرا وصاح: وحق بتاح إنك لا تصغي لما أقول!
فانزعج ددف وقال: كيف تقسم على هذا؟! - لأنك تتنهد تنهد من أعجزه فكره وفر إلى حبيبه.
صفحه نامشخص