وَقَفَ اَلْأَمِير أَمَام قُضَاة مَحْكَمَة اَلتَّفْتِيش فَسَأَلَهُ اَلرَّئِيس عَنْ تُهْمَته فَأَنْكَرَهَا فَلَمْ يَحْفُل بِإِنْكَارِهِ وَقَالَ لَهُ لَا يُدْلِ عَلَى بَرَاءَتك إِلَّا أَمْر وَاحِد وَهُوَ أَنْ تَتْرُك دِينك وَتَأْخُذ بِدِين اَلْمَسِيح فَطَارَ اَلْغَضَب فِي دِمَاغه وَصَرَخَ صَرْخَة دَوَّتْ بِهَا أَرْجَاء اَلْقَاعَة وَقَالَ:
فِي أَيّ كِتَاب مِنْ كُتُبكُمْ وَفِي أَيّ عَهْد مَعْهُود أَنْبِيَائِكُمْ وَرُسُلكُمْ أَنَّ سَفْك اَلدَّم عِقَاب اَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِكُمْ وَلَا يَدِينُونَ بِدِينِكُمْ؟ مَنْ أَيّ عَالِم مِنْ عَوَالِم اَلْأَرْض أَوْ اَلسَّمَاء أَتَيْتُمْ بِهَذِهِ اَلْعُقُول اَلَّتِي تُصَوِّر لَكُمْ أَنَّ اَلشُّعُوب تُسَاق إِلَى اَلْإِيمَان سُوقًا وَأَنَّ اَلْعَقَائِد تُسْقَى لِلنَّاسِ كَمَا يُسْقَى اَلْمَاء وَالْخَمْر؟ أَيْنَ اَلْعَهْد اَلَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ يَوْم وَطِئَتْ أَقْدَامكُمْ هَذِهِ اَلْبِلَاد أَنْ تَتْرُكُونَا أَحْرَارًا فِي عَقَائِدنَا وَمَذَاهِبنَا وَأَنْ لَا تُؤْذُونَا فِي عَاطِفَة مِنْ عَوَاطِف قُلُوبنَا وَلَا فِي شَعِيرَة مِنْ شَعَائِر دِيننَا؟ أهذا اَلَّذِي تَصْنَعُونَ اَلْيَوْم وَاَلَّذِي صَنَعْتُمْ بِالْأَمْسِ هُوَ كُلّ مَا عِنْدكُمْ مِنْ اَلْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَالرَّعْي لِلذِّمَمِ؟ نَعِمَ لَكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا مَا تَشَاءُونَ فَقَدْ خَلَا لَكُمْ وَجْه اَلْبِلَاد وَأَصْبَحْتُمْ اَلْقُوَّة وَالسُّلْطَان فِيهَا وَلِلسُّلْطَانِ عِزَّة وَلَا تُبَالِي بِعَهْد وَلَا وَفَاء.
إِنَّ اَلْعُهُود اَلَّتِي يُكَوِّنَّ بَيْن اَلْأَقْوِيَاء وَالضُّعَفَاء إِنَّمَا هِيَ سَيْف قَاطِع فِي يَد اَلْأَوَّلِينَ وَغِلّ مُلْتَفّ عَلَى أَعْنَاق اَلْآخَرِينَ فَلَا أَقَالَ اَللَّه عَثْرَة اَلْبَلْهَاء وَلَا أُقِرّ عُيُون اَلْأَغْبِيَاء.
أَنْتُمْ أَقْوِيَاء وَنَحْنُ ضُعَفَاء فَأَنْتُمْ أَصْحَاب اَلْحَقّ الأبلج وَالْحُجَّة
1 / 69