جننا بليلى، وهي جنت بغيرنا
وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
فقال بصوت مسموع: «أعوذ بالله! ما هذه السخافة؟ قد تكون ميمي مجنونة بي، وإني لمجنون بوردة، ولكن وردة على التحقيق لا تحب أحدا غيري ... نعم لا يبدو أنها تحبني كما أشتهي وأتمنى، ولكن من فضل الله أنها لا تحب سواي ... هذا شيء على كل حال ... يمكن أن أقتنع به الآن ... ومع الارتياح ... ولكن من يدري ...؟»
وساورته الشكوك وهو يشتري في طريقه طاقة من الأزاهير البيضاء التي يعرف أن وردة تحبها، وظلت تساوره وهو يدخل شقته ويلقي بالحقيبة، ويتلقى تحية ميمي بفتور لا يعنيه، وقد سخط على نفسه وأوسعها تقريعا وذما، وقال لها: «هذه وردة يشرق وجهها لك، وتكاد تفتح ذراعيها، وتبدو كأنها تريد أن تضمك إلى صدرها الناهد ... الحق أن صدرها جميل ... وأنت تقابلها بهذا الفتور؟ ... إن هذه خسة، ماذا جنت الفتاة حتى تصدمها هذه الصدمة؟ وتدفع في صدرها بجمع يدك؟ آه صدرها ... الحق إنه جميل ... قدها كله جميل، فيها لين، تنساب كالماء الرقراق ... ثم إنها وديعة، راضية، حلوة الطبع، لماعة العين دائما. أوه ميمي ... ميمي؟ إنه يجب أن أفكر في وردة ...»
وكانت ميمي في هذه اللحظة تضع الورود في الزهرية، فزعق طلبة: «ماذا تصنعين؟»
قالت باستغراب: «أرتب الورد، أليس ...»
ولم تتمها، فقد انتزع منها الأزاهير وهو مقطب ولفها في ورقتها كما كانت وتمتم وهو يفعل ذلك: «ترتب الورد؟ أتراها تظنني جئت به لأزين به بيتي؟»
وقال بصوت عال: «دعيه هكذا ... إنه لوردة.»
فأحست المسكينة بمثل شكة الخنجر ... يعود من الإسكندرية بعد خمسة عشر يوما قضاها هناك غائبا عنها، ولا يذكرها بزهرة واحدة، ومعه هذا «الحوض» كله يحتفظ به لوردة! ولا يخطر له أن من الرحمة الواجبة ألا يخزيها على هذا النحو! ماذا كان عليه لو اتقى أن يجيء به إلى البيت؟ ولكن ...
ولم تسترسل في هذه الخواطر المؤلمة، فقد كان عليها أن تهيئ له ثيابا أخرى يلبسها ليزور وردة، وإن ميمي لتعلم أن وردة مشغولة عنه بغيره، وأنها لا تفكر فيه، ولا تبالي أجاءها بهذه الأزهار الجميلة أم نسيها ولم يخطرها بباله ولكن ميمي لا تستطيع أن تقول له هذا وإلا ظن بها الظنون.
صفحه نامشخص