إهداء الكتاب
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
صفحه نامشخص
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
صفحه نامشخص
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
صفحه نامشخص
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
إهداء الكتاب
مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثانى
الفصل الثالث
صفحه نامشخص
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
صفحه نامشخص
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
صفحه نامشخص
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
صفحه نامشخص
البستاني
البستاني
تأليف
وديع البستاني
إهداء الكتاب
إلى نجيب أفندي متري صاحب مطبعة المعارف ومكتبتها
إشهادا للملأ على فضله في إتقان الطباعة العربية ونشر الكتب القيمة. والعهد قريب بالعيد الفضي الذي أقامه طائفة من المؤلفين والكتاب احتفالا بمرور 25 عاما على مطبعته الفريدة - وما هذه الهدية إلا نفحة من نفحات تلك الذكرى.
وديع البستاني
مقدمة
8000 جنيه:
صفحه نامشخص
وذات يوم من عام 1913 اهتزت الأسلاك البرقية بنبأ تلقاه الشرق معجبا، والغرب متعجبا: شاعر هندي فاز بجائزة «نوبل» وهذا قدرها؛ ثم بوسام من جلالة ملك أسوج، ولقب «سر» من جلالة ملك بريطانيا العظمى وإمبراطور الهند. وذلك الشاعر هو «رابندراناث طاغور».
قرابين الأغاني:
وكان الكتاب الذي نال به الجائزة مجموعة صغيرة من قصائده الخيالية الروحية سماها «غيتا نجلي» أي «قرابين الأغاني»، ولا تسل عن حظه من الإقبال ونصيبه من الرواج، فإنه لم تكد تظهر طبعته الإنكليزية في إنكلترا وأميركا حتى صدرت ترجماته في فرنسا، وروسيا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، وهولاندا، وسائر الأقطار الأوروبية.
البستاني:
وكانت «شركة مكميلان الإنكليزية» الشهيرة هي السابقة إلى طبع الكتاب الفائز، وما لبثت أن أتحفت عالم الأدب بطائفة أخرى من شعر «طاغور» الغزلي أو الحبي الخيالي في كتاب أسماه «البستاني»، ما ظهر حتى نقل إلى معظم اللغات الأوروبية، وكان له من الشأن ما تتبين عظمه من النظر إلى أقوال الجرائد فيه وإليك بعضها:
هذا الشاعر يتناول الصغائر المألوفة من أمور الناس ويصنعها دررا تتألق فيها روعات السماء وجلال الحب والحياة، فهو من ذوي الرؤية وهو في الحب بصير. وما أدراك ما البصر في الحب؟ إنه القسطاس الأعلى الذي توزن فيه فطرة المرء وطبيعته.
الأوبزرفر
هذه الأشعار أزهار أبهى من طلعة الشمس، وما ندري كم عبثت الترجمة برونقها الأصلي؟ ولكنها على ما تجلت لنا في الغاية القصوى من الجمال الرائع، وأعجب بها مشاهد وفصولا - ساذجة سامية عطيرة - من رواية الحياة اليومية، ألبسها الشاعر من البيان حلة سحرية.
الدايلي ميل
إن أشعار «البستاني» تفوق حتى الأحسن والأفضل مما في «قرابين الأغاني» رقة وإبداعا.
صفحه نامشخص
الدايلي نيوز
الهلال:
وإذا جاز لنا حسبان «قرابين الأغاني» تسابيح روحية يرتلها الشيوخ، فترفع بهم الأرض إلى السماء، وقصائد «البستاني» أناشيد غرامية يتغنى بها الفتيان، فيستنزلوا السماء إلى الأرض، فمن للأمهات وعواطفهن، وللأطفال وخواطرهم، إلا عبقرية هذا النابغة؟ فالهلال اسم ثالث القمرين، وما هو إلا أربعون قطعة من الشعر تمثل لنا الطفولة والأمومة أيما تمثيل. وقد قالت جريدة «بال مال غازيت» الإنكليزية في تقريظه: «لقد جاءنا «طاغور» في هذا الكتاب بصور من الحقائق الوجدانية نخالها أبعد غاية، وأسمى شأوا، وأجل قدرا مما أتانا به في «قرابين الأغاني».»
شيء عنه:
وقد زرت «رابندراناث طاغور» بعد ما وقفت على كتبه ونقلت جملة طيبة من أشعاره مما في «قرابين الأغاني» و«البستاني» و«الهلال» نظما ونثرا. وعلى أثر عودتي من الأقطار الهندية كتبت عنه في مجلة الهلال الغراء غير مرة؛ وهذه فقرات من إحدى تلك المقالات:
يقول المثل: ليس الخبر كالعيان، ومن الناس من يسرك خبره، ويسوءك مخبره. أما الشاعر الروحاني النابغة «رابندراناث طاغور» فمخبره أعظم من خبره، وقد زرته وآكلته وشاربته وحادثته، فازددت بآثاره إعجابا، ولذاته إكراما، ولعبقريته إجلالا. وأيقنت أن له نفسا سامية، تنبعث من عينيه أشعة سنية، وتسيل مع صوته العذب الرخيم نغمات شجية، وتتلألأ خلال عباراته فرائد معان درية.
أما منزله الأصلي ومسقط رأسه، فهو مدينة كلكتة الشهيرة حيث يقيم بنوه وذووه، ولكنه منذ بضع سنين يقضي معظم عامه في ناحية من «بلبور»،
1
كان والده من قبله قد انتحاها صومعة ومنسكا، وثابر على انتيابها مدة ثلاثين سنة؛ طلبا للسكينة والطمأنينة؛ومواصلة للتأمل والتروي في الذات الإلهية.
وما دأبه في هذا المتقطع إلا تعهد المدرسة التي أنشأها فيه تخليدا لذكرى أبيه القديس الفيلسوف. وقد أسماه «شانتي نكتان»
صفحه نامشخص
2
أي «دار السلام» تيمنا بعبارتين كان والده يرددهما في تأملاته، هما الآن منقوشتان على نصبين من الرخام تجت الشجرتين الأختين اللتين كان يفيء إلى ظلهما في الهجيرة: (1) «الله هو السلام التام، هو الصلاح التام، هو الفريد الوحيد»، (2) «الله سلوة نفسي، وفرح قلبي، وسلام روحي».
وإذا علمت أن قومه وأصحابه يتبركون بلثم نعليه تحية وسلاما، وأنه في عيونهم ذو صفة علوية وعجبت لذلك، فلا بدع أن يقضي عجبك كله كونه أودع من أودعهم، وأرق وألطف من زهرات الياسمين التي يقدمونها له قرابين إخلاص ومحبة؛ فإنه أنيس لطيف، بين الدعة والتواضع، جامع بين السذاجة والسمو في زيه وعادته وحديثه وأسلوبه، وفي كل ما يأتيه من حركة أو سكنة؛ ميال إلى الطبعي الفطري، وكل مستحسن أو مفيد من الصناعي والمكتسب؛ صريح في قوله وعمله، يتوخى مجاراة الطبيعة والحقيقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وهو من الدين على طريقة «البراهمو سماج» التي دعا إليها والده ولا وثنية فيها.
التعريب:
ولما كنت قد جعلت لكل قطعة مقدمة موجزة، وأشفعت النظم أو أردفته بترجمة نثرية، فلا حاجة بي إلى الإسهاب في هذا المقام عن الشاعر، أو عن المسلك الذي سلكته في تعريب هذه المختارات من «البستاني». وحسبي أن أقول: إنني أطلعت صاحبنا على بعض هذه القصائد وترجمت له الأبيات العربية حرفيا إلى الإنكليزية؛ لأريه مواضع التصرف الذي تجوزته، فأنست منه من الرضى عن طريقتي في النقل والموافقة عليها ما لم أكن لأحلم بمثله.
وديع البستاني
هوامش
الفصل الأول
لو شاء شاعرنا؛ وهو ابن البحبوحة واليسار، ووارث المجد التليد، وصاحب العقل الراجح، والذكاء النادر، وطلب المناصب والوظائف، لطال أعلاها ونال أسماها. ولكنه جاء خير خليفة لأبيه «دافند راناث» الذي قضى الشطر الثاني من عمره معتزلا دنياه، خاليا إلى نفسه، قانعا مما أوتيه من بسطة الجاه وسعة العيش، بشجرتين أختين، في برية موحشة، كان يفيء إلى ظلهما، ولا دأب له إلا التأمل والتفكير بحثا عن «الحقيقة».
بيد أنه على خلوه من المطامع الدنيوية، والمآرب النفسانية، لم ينهج منهج النساك المتقشفين الذين ينقطعون عن العالم ويضربون بينهم وبين الناس حجابا صفيقا، بل ذهب إلى أن لقاء «الحق» في كل مكان «أقرب إلى التقوى» وأن الحسنة يأتيها، والمعروف يأمر به، أدل على الورع من معاناة الوحدة وشظف العيش.
صفحه نامشخص
ثم إنه شغفته الطبيعة حبا، فهو يرى إلى الله إذ ينظر إلى محاسنها وبدائعها. وقد علمت من ذويه أنه قد يدخل الحديقة فيذهل عن نفسه، ويلبث الساعات الطوال يناجيها ويغازلها. وقد رأيته شيد معهده العلمي بين أشجار غرسها، وزهور زرعها.
وحبذا ذكر ما تقدم من أمره عند قراءة هذه النبذة الأولى التي جعلها عنوان الكتاب وديباجته:
الخادم :
رحمة بعبدك!
1
الملكة :
لقد ارفض المجلس، وانفرط عقد الأعضاء. فعلام لم تحث خطاك إلى مناك، يا هذا؟
الخادم :
إنما توانيت حزما لا عجزا، وتدبيرا تأخرت لا تقصيرا. فإذا عل الشاربون ونهلوا، وسكروا وثملوا وعافت النفس سؤرا في الكأس، فذلك السؤر هو رحيقي وسلسبيلي، وبتلك الثمالة شفاء علتي وارتواء غليلي.
أجل مولاتي، هذه ساعتي وهأنذا.
صفحه نامشخص
الملكة :
وماذا عسى أن يكون مطمح أبصارك من هذا القصر؟
الخادم :
إنني لأقنع بالبقية الباقية، وكعبة أمالي، وجنة أماني أن ترفعيني بأن تخفضيني، فتوليني الحديقة لا غيرها.
الملكة :
يا لحمقك يا هذا؟
الخادم :
رويدك يا ربة التاج: إنني خالع بين يديك مقاليد المناصب الخطيرة التي طوقت بها عنقي، وأثقلت كاهلي؛ فأما سيوفي فأسد بها خلل الجدران المتداعية، وأما رماحي فأغرسها في السماد. ولا يكن من عطفك علي بعد اليوم أن تنتدبيني لإقامة موازين العدل في المحاكم القاصية، ولا أن تكلفيني شن الإغارة، وفتح البلاد، وتدويخ القبائل العاصية، بل هبي لي أن أكون بستاني
2
الحديقة؛ وحسبي.
صفحه نامشخص
الملكة :
وكيف تخدمنا كبستاني؟
الخادم :
إذا خلت يداك من الصولجان، كنت بينهما أطوع من بنان، فإذا لاح الفجر، أو بدت طلائعه، وباكرت أختك مليكة النهار، إلى حديقة الأزهار، كان مسحب أذيالك الأرجوانية بين أعشاب ندية، تتصوب وتتصعد تأهيلا بك وترحيبا، وتتثنى وتتمايل حوليك جيئة وذهوبا، وتنشر أريجها ثناء عليك، وتترامى على مواطئ قدميك، متفانية تفتديك، تواقة إلى الموت بين عينيك.
وإذا مل جنباك الأريكة الوثيرة، ونبت لحاظك عن زبرجدها المواج، وعسجدها الوهاج، فجئت واستلقيت في الحديقة إذن، فواجباتي كبستاني ذي حظوة في عين ربة القصر، أن أناسق بين أنين الأرجوحة
3
وحفيف الأوراق، وبين ميداتها وميسات الأغصان، رحمة بالبدر الهائم في عرض السماء يناضل الظلمة والغيوم ليبعث إليك من خلال الأفنان بقبلات التجلة والوقار، وما تلك إلا ما يرتسم من بياض سناه على أهداب بردك الأنيق.
ويكون من وظيفتي أيضا أن أفعم بالزيت المطيب المعطر ذلك السراج
4
المحسود الذي يحرس سريرك ويسهر عليك؛ وأن أزخرف مسند رجليك بالصندل والزعفران متفننا مبدعا ما شاء التفنن والإبداع.
صفحه نامشخص
الملكة :
وجزاؤك على ذلك؟
الخادم :
وجزائي أن تسمحي ليدي هاتين بضم أناملك النواضر كالنيلوفر
5
لأطوق معصميك بسلاسل الزهر؛ وأن أخضب قدميك بدم العشقة.
6
الملكة :
حاجة مقضية.
تنبيه
صفحه نامشخص
عساني وفقت في التعريب إلى تخير المأنوس المألوف من الألفاظ دون غريبها ووحشيها. ولذلك فقد اكتفيت في الشرح بالإشارة إلى المراد من اللفظة في مكان أخاله مظنة للالتباس، أو بالإلماع إلى العادة أو الحالة من عادات الهند وأحوالها، وما إلى ذلك، مما لم يمر به المطالع العربي، وأخاله داخلا في باب «العلم بالشيء ولا الجهل به».
هوامش
الفصل الثانى
لئن عرفت أوروبا طاغور شاعرا خياليا رائع المعاني، ناصع الألفاظ، طاهر النفس، عفيف الفؤاد، فحكم له أدباؤها بالتفوق والسبق وأنالوه جعلا من الأصفر الرنان، وأجله ملوكها، فزانوا صدره بوسام، وشرفوا اسمه بلقب سام، فإن الهند عرفته من قبل تقيا ورعا قديسا، ومعلما وواعظا إلهيا، ومغنيا وخطيبا روحيا، إذا تكلم أذاب قلوبهم بعذوبة صوته، وإذا خطب حرك نفوسهم بسحر بيانه، حتى إذا رتل قصيدته أشجاهم فأبكاهم، أو أطربهم فطار بألبابهم في سماء الخيال، فرفعوه عن مراتبهم وأنزلوه منزلة النبي الشاعر، وتخذته طائفة ملكا غير متوج على القلوب والنفوس دون الرءوس. وقد علمت من أمره أنه إذا دخل الهيكل الكبير في كلكتة ليخطب ويرتل، ضاق المقام على رحبه بالحضور، وغصت طرقاته وأبوابه بالوفود. وهو موسيقار ماهر وأستاذ، بل حجة في فن الغناء. وإذا نظم القصيدة صنع لها اللحن، فأصبحت أنشودة وأغنية معا. فإذا قلنا قصائده أردنا أغانيه، وإذا قرأناها فزنا بمعانيها وفاتتنا ألحانها. وهي إما دينية روحية تستنزل السماء إلى الأرض، ومنها المجموعة التي سماها غيتا نجلي أي «قرابين الأغاني»، أو دنيوية غرامية ترفع الأرض إلى السماء، ومنها أشعار «البستاني» هذه. وقد قال عن نفسه: إن الله أرادني شاعرا مغنيا، فهو كذلك يعبده ويسبحه طول حياته:
لقد آذنت شمسك بالمغيب، واشتعل رأسك شيبا؛ فحسبك غناء وإنشادا، بل آن لك أن تصغي وتصيخ إلى «داعي الغد» فتقول: «لبيك».
الشاعر: هو ذا المساء، وهأنذا مصغ ومصيخ؛ أتريث طارقا أفتح له. وهأنذا أرصد وأترقب، لعل قلبين هائمين يلتقيان، فأزف إليهما آي التهنئة؛ أو لعل توءمين من العيون الساجية يتسولان نغما شجيا يحرك سكونهما ويترجم عنهما. ومن للقلوب وعواطفها، وللعيون وأسرارها، إذا أنا تبوأت من ساحل الحياة صخرة صماء ولبثت شاخصا إلى أكمة الموت وما وراءها؟
تلك غرة جبين السماء تأفل وتتوارى، وذاك لهب النضد
1
يخمد شيئا فشيئا على ضفة النهر المتهادي؛ وهذه جوفة من بنات آوى تصوب أصواتها وتصعدها في عرصة الدار المهجورة، على ضياء الهلال الضئيل. فإذا اتفق أن أخا قرويا درج من كوخه، ومر هذا القبيل، ليحدق في الليل، ويتفرس فيه، ثم أطرق مصغيا إلى ثرثرة الظلام، فمن له بخل يقف به فيهمس في أذنه بأسرار الحياة، إذا أنا اعتصمت بمنزلي وأوصدت أبوابي، حتى كأني أعالج قيود البشرية وسلاسل الإنسانية لأتملص منهما وأخلص نجيا؟
وما علي إن نصلت لمتي من خضابها، ومسخت السوداء بيضاء؟ وما شأن فحمة صارت رمادا؟ وها أنا اليوم فتى وكهل معا، أصحب الصبية والشيوخ على حد سوى.
صفحه نامشخص
وهنالك ثغور لا تغيب عنها البسمات؛ وعيون لا يكاد يبرق لها طرف. وهنالك دموع تترقرق في عين الشمس، وعبرات تبلل أجنحة الظلام. فالمسعدون الضاحكون، والتاعسون الباكون، كلهم له في مرام أو إلي حاجة. وعز علي وقت أقضيه، أو أقتله وأقضي عليه، بالنظر إلى الموت، أو إلى ما وراء الحياة.
وإذ إنني عشت الطفولة، والشباب، والكهولة جميعا فهبني مسانا لكل ناعم الظفر، ولكل محدودب الظهر! وما علي أن «وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا».
هوامش
الفصل الثالث
خير الشعر ما اختلج في الصدر، وحرك أوتار الحس، قبل أن ينطق به اللسان أو ترسمه اليراعة فوق الطرس. ولولا ما اتفق لامرئ القيس من أمر العذارى ومداعبتهن على الغدير، لما جادت شاعريته بمعلقة أكسبته الإمارة في الشعر، ولولا ما كان من شأن ابن زريق، وبشر بن عوانة، مع محبوبتيهما، لما خلد الأول بعينيته، والثاني برائيته. وإلا فما ظنك بعنترة لولا عبلته، أو بكثير لولا عزته، وجميل لولا بثينته، أو قيس لولا ليلاه. وأجود القول ما جاء في غرض من الأغراض، فانبعث عن الشعور والوجدان. ومن نظر في شعر طاغور وكان على علم من أحواله الشخصية؛ المادية منها والأدبية، وأحوال قومه؛ الماضية منها والحاضرة، لم ير فيه إلا صورا رائعة لحالات معلومة عرضت لنفسه أو لقلبه، فأحدثت فيهما ما يرى. وكأني به لم ينظم هذه القصيدة إلا بعد ما شهد من إقبال الأدباء الأوروبيين على ما كان قد نقله إلى الإنكليزية من أشعاره، وشدة إعجابهم بها وحرصهم عليها - ذلك بعد أن كانت في أصلها البنغالي مجهولة القدر، وغير معروفة المزية، فكأنه أراد بتلك «الأشياء» التي لم ترق في عين «الحبيبة» فألقاها وأهملها، «قصائده» التي لم تحفل بها «الهند»، وبالغ في إكرامها «الأجانب» أي الأوروبيون.
وطاغور «خفيف الروح»، وغاية في التواضع، وأبعد الناس عن الافتخار والاعتداد بالذات، فإذا أراد إطراء بضاعته اكتفى بالإشارة أو كنى ولم يسم. وهذه الخلة ظاهرة في أسلوبه وحياته جميعا:
وكان صباح:
وطرحت شبكتي في البحر، وفزت بأشياء غريبة الألوان عجيبة الجمال؛ فمن شبيه بالبسمات المتلألئة في الثغور، ومحاك للدموع المتألقة في العيون، ونظير لوجنات الصبايا.
1
وكان مساء:
صفحه نامشخص
وتحاملت إلى البيت نائيا بأعباء يومي، وبنفسي أن أشتري راحة ليلي بتعب نهاري. وكانت الحبيبة جاثمة في قلب الحديقة، تمزق أكمام زهرة أنيقة، بأناملها الرشيقة. وقفت بها وأحجمت طرفة عين، ثم أقدمت وألقيت ما بيدي بين يديها، ولبثت صامتا ساكنا.
أما هي فحركت طرفيها ورنت إلى تقدمتي؛ ثم سلطت على شفتيها، عوامل فكرها، فتحركتا بما يأتي: «يا لهذه الغرائب! إني لا أؤنس لها معنى، ولا جدوى».
فنكست رأسي وقلت في نفسي: ويحي ثم ويحي! إنني لم أغنم تلك التحف في موقعة، ولا ابتعتها من سوق، فكانت غير الهدية التي تروقها وتليق بها.
وقضيت ليلتي تلك أسري همي، وأساور غمي، ملقيا عني بتلك الهنات على قارعة الطريق واحدة تلو الأخرى.
وكان صباح مرة ثانية:
وإذا بأجانب غرباء جمعوا شتاتها، ونظموا منثورها، وذهبوا بها غانمين.
هوامش
الفصل الرابع
هذه هي القصيدة الثامنة في الأصل. وهي مما عربته ببعض التصرف. وقد جاء نظمها العربي على وزن قليل المقاطع وعلى غير قافية ملتزمة، وإنما عفوا حصل ذلك، فكان على مقتضى الحال. والنكتة في السؤال: «أين هي» واستحياء الفتاة من الرد. وصيغته الأصلية: «هي أنا». وجمال هذه الأبيات في تمثيلها الحياء الذي ينشأ عنه الغنج والدلال من طبائع الحبيب. والمرأة الهندية على أعظم ما يكون من الحشمة والأدب، وهي لولا تملك فطرة الحياء من خلقها لما تحلت بهاتين الخلتين. والحياء وهو من أعوان العفة والأنفة، وإن كان مردودا إلى الضعف والخوف، يكون للمرأة حلية وزينة تدعوان إليها وترغبان فيها، فيصبح ذريعة تتذرع بها وقوة تنصر ضعفها على بأس الرجل وأيده. وقد قيل: أحب شيء إلى الإنسان ما منع، والمنع والتمنع في المرأة فرعان من شيمها والحياء أصلهما.
وقليل ما في الشعر العربي مما جعل على لسان المرأة حتى كأنها هي تعرف وتفصح عن عواطفها، بل لعله نادر جدا وأقل من القليل. وسترى لهذه القصيدة أخوات في هذا الباب:
صفحه نامشخص
لما تجلى السحر
وقبلتني الصبا
ونور خدري استتر
ومن حياء خبا
قامت طيور الغداة
بكل لحن شجي
وقمت: من للفتاة
ثرثارة الدملج!
إكليل زهر ندي
في فرعي المرسل
صفحه نامشخص
قلبي خلي، يدي
رنانة بالحلي
وجاء من فجره
موشحا بالصباح
في الجيد
1
من دره
أغلى ثنايا الملاح
يسأل عني أنا:
أين التي أطلب؟
صفحه نامشخص