وذكرت لي كتاب الهيثم بن عديّ [١] في ذلك، وقد خبّرتك أن لم أرض بمذهبه، ولم أحبّه له حظّا في حياته، ولا لولده بعد مماته.
وأنا أحذّرك اللّجاج والتتايع [٢]، وأرغب إلى الله لك في السّلامة من التلون والتزيّد، ومن الاستطراف والتكلّف؛ فإن اللّجاج لا يكون إلّا من خلل القوّة، وإلّا من نقصان قد دخل على التمكين. واللّجوج في معنى المغلوب، والمتطرّف في معنى الغالب والمكتفي. ولا يكون إلّا والعقدة منحلّة، والنفس منقوضة، ثم لا بدّ من أن يتّصل ضعف المنّة بقلّة المعرفة.
ومتى نقصت المعرفة لم تكن المنّة فاضلة [٣]، وكان الفاعل إما لجوجا مشايعا [٤]، وإمّا ذا بدوات متلوّنا [٥] .
فاعرف فصل ما بين التصرّف والتلوّن.
وليس الاعتراض من صفة اللّجاج، وقد يكون الاعتراض محمودا ومذموما ولا يكون اللّجاج إلّا مذموما.
والتلوّن: أن يكون سرعة رجوعه عن الصّواب كسرعة رجوعه عن
_________
[١] هو أبو عبد الرحمن الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن الثّعلي الطائي النجدي الكوفيّ النسّابة. وكان محمد جالس المنصور والمهدى والهادي. وكان دعىّ النسب. وفيه يقول أبو نواس:
إذا نسبت عديا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب
وله تصانيف كثيرة سردها ابن النديم وياقوت. ولد قبل سنة ١٣٠ وتوفي سنة ٢٠٧.
الفهرست ١٤٥- ١٤٦، ومعجم الأدباء ١٩: ٣٠٤، ووفيات الأعيان ٢: ٢٠٣- ٢٠٦، ولسان الميزان ٦: ٢٠٩.
[٢] التتايع، بالياء قبل العين: التهافت والوقوع في الشر.
[٣] المنة، بالضم: القوة. فاضلة: زائدة، من الفضل وهو الزيادة.
[٤] فى الأصل: «مسائعا» بدون نقط.
[٥] سبق تفسير البدوات في ص ٢٧.
1 / 31