"وقد كان من قبلنا يحتالون للطعانين على الملوك بالدين فيسمونهم المبتدعة، فيكون الدين هو الذي يفلهم، ويربح الملك منهم، ولا ينبغي للملك أن يعترف للعباد والنساك بأنه [ليس أعرف] بالدين ولا أحدب عليه ولا أشد تقصيا له منه، وألا يدعهم من الأمر والنهي في نسكهم ودينهم، فإن خروج النساك من أمر الملوك ونهيه عيب عليه وثلمة في سلطانه. وينبغي للوزير أن يأمر الرعية بعد منعه إياهم من الاختلاف في الدين # والتعصب والتلفف بإجماع الكلمة واتفاق النية، والائتلاف فيما بينهم، فبذلك أمر الله - عز وجل - حيث يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وحيث يقول: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} وقد قالت القدماء: بالجماعة تمام أمر الدنيا، وعليها مدار الغلبة، ومن دواعيها وتوابعها الأمن والسلام، ومن توابع الفرقة الخوف والهلكة والفتنة، فما مثل الفرقة إلا مثل الموت المفرق بين الروح والجسد، ولا مثل الألفة إلا مثل الحياة الجامعة لهما، المظهرة لأفعالهما ومنافعهما، ألا ترى أن الشعرات المتفرقة تكون في نهاية الضعف والدقة، فإذا قتلت كان منها الحبال التي تصوع بها الجواميس والفيلة؛ وإنا لنجد الدواب والطير قد كاست وأبصرت الصلاح في الجماعة، فهي تألفها وتنفر من الوحدة وتهرب عنها، وكفى بالإنسان فندا وجهلا أن يقصر فهمهم عما أبصرته النملة، وفهمته النحلة، وما أشبهها.
صفحه ۳۴۹