بناة الاسلام: محمد و خلفایش
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
ژانرها
وما كان أبو بكر إلا خليفة الرسول، ينفذ تعاليمه، ويعمل لرفع شأن الدين، وأمة المسلمين، لا تأخذه في ذلك مجاملة كبير، ولا رعاية قائد، ألم يؤنب خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، لأنه ترك الجند يقاتلون في العراق وأسرع لأداء فريضة الحج، ثم عاد إلى جنده يستأنف قيادته لهم في القتال.
لم يتركها أبو بكر تمر، فقد خلعه من إمارة جيش العراق، وأسند إليه قيادة الجيش المسير على الروم.
نعم، إنها كانت مهمة أخطر من تلك التي نزع منها، ولكنها تشير في ذاتها إلى عدم رضا من أبي بكر خليفة الرسول.
فتوحات أبي بكر
مرت بذاكرتي كل تلك الحوادث وأنا ما زلت واقفا أمام قبر الصديق رضي الله عنه وإذا بي أشعر بيد المدعي تربت على كتفي وهو يقول: هلا رددت الأدعية؟
قلت: نعم.
وأخذ المدعي يقول أدعية كثيرة مستفيضة، كنت لا أعي شيئا منها؛ لأن مخيلتي كانت محلقة في الجو الذي سمت فيه محبة أبي بكر في قلوب رفاقه من صحابة الرسول الأجلاء، ومن قواد جيشه، ومن أجناد جيوش المسلمين أجمعين، حتى لقد كانوا كلهم طواعية لنواهيه، ممتثلين لأوامره، يسارعون إلى تلبية ندائه، فقد وجدوا منه الخليفة العظيم حقا الذي لا يمكن أن يحيد قيد أنملة عن كتاب الله وسنة الرسول.
ولا غرو أن يكون المسلمون - على الرغم من قلة عددهم وعدتهم - ذوي بأس شديد في الحروب في عهده، بل لقد بلغوا أبعد من هذا، فقد استطاع جيش خالد بن الوليد وهو لم يزد عدده على ثلاثين ألفا أن يهزم جيش الروم الذي كان عدده يزيد على الربع مليون مقاتل! ولكن شتان بين الجيشين، فلقد كان جيش المسلمين يقاتل في سبيل الذود عن دين الله وفي سبيل نصره وتأييده ونشره، وإخضاع أمم العالم تحت لوائه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، حتى لقد قال ابن الوليد: «ما أقل الروم! إن الجيوش إنما تستكثر بالنصر وتقل بالخذلان.»
متانة الأخلاق
ومرت بذاكرتي في تلك الآونة تلك المزايا الباهرة التي انطبعت في نفس الصديق خليفة الرسول، فلقد كان عهده عهد عظمة عاجلة متوثبة، مستمدة من متانة خلقه، ولقد كانت هذه المتانة الخلقية تنطبع في نفوس رفاقه وقواده وأجناده جميعا، وذكرت إذ ذاك كيف أن خالد بن الوليد حين خشي أن تتفرق وحدة الجيش بعامل حب الرياسة وتسلطه على نفوس الضباط، جمعهم وصلى بهم وخطب فيهم ناصحا، فقال: «هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأرضوا الله بعملكم، فإن هذا اليوم له ما بعده، ولا تقاتلوا قوما على نظام وتعبئة وأنتم متساندون، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته.» قالوا: «هات، فما الرأي؟» قال: «إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أننا سنتياسر، ولو علم بالذي كان ويكون لما جمعكم، إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم، وأنفع للمشركين من أمدادهم، ولقد علمت أن الدنيا قد فرقت بينكم، فالله الله! فلقد أفرد كل رجل منكم ببلد لا ينقصه منه إن دان لأحد من أمراء الجنود، ولا يزيده عليه إن دانوا له، إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله
صفحه نامشخص