بناة الاسلام: محمد و خلفایش
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
ژانرها
أجل، كان الرسول وهو في «يثرب» بين قبيلتيها العظيمتين، الأوس والخزرج، في مأمن من شر قريش، ولكن إلى حين، ذلك أنه كان يعلم علم اليقين أن قريشا ما كانت تقف مكتوفة اليدين إزاء جرح عزتها. وقد بدأ يندك دينها، ويتضاءل سلطانها، وقد كاد يتلاشى ويندثر، ثم كرامتها وقد أخذت تنحدر إلى هوة الذلة، ودرك الهوان، وإذن فلا بد لها من أن تستعيد ما فقدت على يد محمد من عز ومنعة وسيادة وسلطان.
كان الرسول يدرك أن قريشا لن تسكت عنه، وأنه لكي يتفرغ لتأدية تكاليف الرسالة ينبغي أن يقضي عليها ويستأصل شأفة شرها حتى يتيسر له نشر تعاليم دينه، وتوطيد دعائم أركانه، ومد ظلال الإسلام إلى العالم الخارجي، عالم الجهالة والضلال والظلام، فيحيله عالم هدى وعلم ونور.
بدأ عليه الصلاة والسلام فبعث بالوفود إلى ما جاور المدينة من قرى متاخمة، يدعو أهلها إلى عبادة الله، والإيمان بوحدانيته، والشهادة لعبده محمد بنبوته ورسالته.
وكذلك أرسل الرسول في الوقت نفسه بعثة إلى قريش لاستطلاع أحوالهم، والكشف عن خفايا نياتهم، ومعرفة أخبارهم، وجعل على رأس هذه البعثة عبد الله بن جحش، وهو من الصحابة الأجلاء الذين لا تلين قناتهم، ولا تنثني عزيمتهم، فقد كان ذا بأس شديد.
وكتب الرسول إلى عبد الله كتابا طالبا إليه ألا يفضه إلا بعد أن يقطع في مراحل سفره يومين ، فلما انقضى الموعد وفض الكتاب وجد عبد الله أن مهمته فيه مرسومة معينة، هي أن يقتصر هو ورجاله على تقصي أحوال قريش دون أن يناصبهم القتال؛ أي أن بعثته كانت استكشافية، على مثال ما نشهده في هذا العصر من بعثات الاستكشاف والاستطلاع.
إذن فليس في هذا الأمر جديد، وإنما مرجعه إلى العرب، وهو تقليد من تقاليدهم اتخذه الرسول
صلى الله عليه وسلم
تمهيدا للقضاء على العدو الخارجي، ولم يكن هناك إذ ذاك أشد عداوة للرسول من قريش، فكيف يأمن شرهم إلا باستطلاع أحوالهم والكشف عن أخبارهم ونياتهم؟ وهذا ما فعله الرسول، تقليد اقتبسه من العرب أولئك الغربيون الذين كم باهوا وفاخروا بما هم عليه من علم وعرفان، وما هم في الحقيقة إلا آكلو تراث العرب الأقدمين من مدنية سارت بذكرها الركبان، وشادت بمفاخرها العصور والأجيال. •••
لم يرض عبد الله بن جحش هو ورجال بعثته أن يكونوا طليعة استكشاف فحسب، ولكنهم شاءوا إلا أن يكونوا الصف الأول للمقاتلين في جند محمد، فاشتبكت هذه الطليعة - وكانت أولى طلائع جيوش المسلمين في عهد الرسول - مع قافلة تجارية من قوافل قريش، فقتلت بعض عظمائها، ومنهم: الحكم بن كيسان، وعمرو بن الحضرمي، ثم عادت بعد ذلك بأموال عظيمة غنمتها من القافلة.
وانتهى إلى أسماع قريش أنباء تلك المناوشات، وما وقع بقافلتها وما نزل بعظمائها، فاشتد غضبها وغلى غليان المرجل، فتجمعت تجمع النمل، وأصرت إصرارا على أن تضرب محمدا وأنصاره ضربة في الصميم، وكان الرسول في الوقت عينه يرى أنه لم يعد هناك مجال للتريث، وأنه لا بد من ملاقاة جموع قريش ومنازلتهم، وأن الله ناصره.
صفحه نامشخص