بناة الاسلام: محمد و خلفایش
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
ژانرها
ولا غرابة أن يكون حفدة أحفاد رجال الجزيرة العربية أهل البلاغة والفصاحة والعلوم والعرفان قد وصلوا إلى هذا الحد من المستوى الأدبي العالي، والمكان العلمي الرفيع. وإذا كان العربي البدوي الذي لم ينل قسطا من الثقافة ولم يحرز نصيبا من مبادئ العلوم الأولية، إذا كان البدوي الجاهل أفصح بكثير من المتعلمين المثقفين في بعض الأقطار الشرقية، فكيف يكون إذن حال شباب الجزيرة العربية المثقفين المتعلمين اليوم من غزارة العلم وتدفق مناهل الأدب. •••
وكان أهل الحجاز - وقت وصولي إلى مكة - يرقبون قدوم باقي أفواج الحجاج المصريين بفارغ الصبر؛ لأن المصريين يحدثون انتعاشا عظيما في الأسواق أكثر من غيرهم من حجاج الأمم الأخرى.
ولا يقتصر الحال على الأسواق وانتعاشها بحضور المصريين، ولكن هناك انسجاما ملموسا بين الحجازيين والمصريين؛ لاتفاق اللغة وتقارب الطباع والعادات والأخلاق، على عكس إخواننا المسلمين من الجنسيات الأخرى، فإنهم مختلفو اللغات، كما هم متباينو الأزياء والعادات.
أهل جاوة
ولقد حزنت كثيرا على عدم حضور الجاويين الذين كانوا يفدون على بلاد الحجاز بعشرات الألوف، فكان عددهم لا يقل سنويا عن ثلاثين ألف حاج، يمكث أغلبهم في بلاد الحجاز ثمانية شهور أو أكثر.
ومن طريف ما يروى عن إخواننا الجاويين أنهم إذا حضروا إلى الحجاز أبدلوا أسماءهم المعروفين بها في بلادهم بأسماء عربية إسلامية. وهناك في الحجاز طائفة اعتمدتها الحكومة مهمتها أن تخلع الأسماء العربية على الجاويين.
والجاويون شوافع يؤدون فرائض دينهم على المذهب الشافعي، وإني أذكر بهذه المناسبة أن فئة قليلة منهم تخلفت في العام الماضي في مكة، رأيتها تتهافت على اقتناء كتبي (في بيت الله الحرام)؛ ظنا منهم أن مؤلف الكتاب من شيوخ الشافعية.
ويتعاون الجاويون فيما بينهم على تأدية فريضة الحج، ولهم تقاليد خاصة بهم؛ فإن الجاوي حين يعتزم الحج يدخر كل ما تملك يداه داخل عود من الغاب، حتى إذا حان موعد السفر أقام مأدبة ودعا إليها أهل بلده، ثم يقف فيهم معلنا عزمه على الحج، فيباركون فكرته، ويكتبون له فيما بينهم بنفقاته التي تلزمه أثناء مكثه في بلاد الحجاز. ولا ننسى أن نذكر أن الجاوي صاحب الوليمة الراغب في الحج يكون قد أنفق كل ما ادخر في غابه على الوليمة، وبينا يكتتب المدعوون بكل ما يتيسر لهم يثبتون المبالغ المكتتب بها، حتى تكون بمثابة دين يوفيه الحاج بعد عودته في المناسبات التي يعلن فيها إخوانه المكتتبون عن عزمهم على الحج أيضا.
وتظهر على الجاوي بصفة خاصة سيما الخنوع، ويبدو أن طول أمد الاستعمار قد أثر عليه حتى في دمه، فهو متسامح إلى أبعد حد من حدود التسامح، على عكس العراقي مثلا الشديد المراس، أو المصري المعتد بكرامته.
في التكية المصرية
صفحه نامشخص