بناة الاسلام: محمد و خلفایش
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
ژانرها
وذكرت تلك المجالس التي كانت تتزعمها فضليات النساء، ويعقدنها في دورهن، ويتذاكرن فيها مختلف الأحاديث التي هي خير خلاصة للعلم والأدب والفضل، فقد كان يلجأ إلى عائشة بنت طلحة في الطائف أكابر القوم وأشراف مكة والمدينة، وكانت ذات روح عال، وكبرياء وجمال نادر.
ومن أظرف ما يروى عنها أنها كانت ذات يوم تطوف بالبيت، فعن لأمير مكة أن يؤخر إقامة الصلاة حتى تنتهي من طوافها، فكان جزاؤه أن عزله الخليفة عبد الملك، فانظر كيف لم يتردد الخليفة عن توقيع القصاص على عامله، دون نظر إلى مجاملة سيدة من فضليات النساء وأعلاهن مكانة اجتماعية في صدر الإسلام.
ومما يذكر عن تمسك النساء المسلمات بالعقيدة أن عمار بن ياسر كان الكفار يخرجونه كل يوم في حر الظهيرة الخانق ويعذبونه هو وأمه وأبوه، وكان الرسول
صلى الله عليه وسلم
يمر بهم قائلا ما معناه: «صبرا يا آل ياسر، موعدكم الجنة.» ومات ياسر وهو في أشد حالات العذاب، فأغلظت أمه القول لأبي جهل ولعنته.
فقال لها: «إني أحفظ لك قولك.» ثم طعنها بحربة فقتلها، وكانت أول شهيدة في الإسلام، وقد أمرت أولادها بالحرص على الاستمساك بالدين، فظلوا متمسكين بدينهم حتى تداركهم الله بلطفه، والله لطيف بعباده، وكانوا من الناجين، بل لقد كانوا من خير الصحابة الأجلاء. •••
مر بمخيلتي ذلك كله، فأكبرت الإسلام من هذه الناحية، فقد حرص على أن يكون للمرأة فيه مكانتها اللائقة، فنزل التشريع الإلهي شارحا واجباتها، مبينا حقوقها ، مدافعا عنها على عكس ما كانت عليه حال النساء في عهد اليونان والرومان، فقد كانت قوانين القوم تحرم على المرأة حتى ابتياع دار تجعلها لسكناها.
كان العرب يدركون وهم في بداية عظمتهم أنه لكي يبلغوا أوج العظمة والمجد لا بد من أن تشاطر المرأة بنصيبها في مجهود الرجل، فيتعاون الاثنان على استكمال بناء العظمة، فكما أن الأسرة الصالحة ترجع صلاحها إلى مشاطرة الزوجة زوجها أعباء الحياة، فكذلك الأمة لا تبلغ أعلى مكانة من العظمة والمجد إلا بتوافر جهد المرأة مع الرجل في خدمة الصالح العام.
ولقد تقول المتقولون على الدين، وأولوا الأحكام التي نزل بها الإسلام وشرعها لعلاقة الرجل بالمرأة وتنظيم أحوالها تأويلا منكرا، فنظروا في تعدد الزواج من الناحية البهيمية، ولم يدركوا الحكم والعبرة منه.
لم يدركوا أن المرأة حين تكون حاملا وعلى إثر الوضع تهجر فراش زوجها، وكذلك تهجره وقت العادة الشهرية، فبدلا من أن تقوم علاقة غير شرعية بين الرجل وامرأة أخرى فليس هناك ما يمنع من أن تكون العلاقة بين زوجة ثانية ما دام الدين قد فرض المساواة بين الزوجات والعدل بينهن، فلا يؤثر الزوج واحدة من زوجاته على الأخرى.
صفحه نامشخص