بلوغ الأماني بتراجم شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني
بلوغ الأماني بتراجم شيوخ أبي الشيخ الأصبهاني
ناشر
دار العاصمة للنشر والتوزيع
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ مـ
محل انتشار
السعودية
ژانرها
تقديم فضيلة الشيخ بَدْر بن عَبْد الله البَدْر
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان على خاتم المرسلين محمد بن عبد اللّه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فقد طلب مني الأخ الفاضل نايف بن صلاح المنصوري -وفقه الله- أن أبدي وجهة نظري في سلسلته التي أعدها وهي "تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، وذلك بعد أن أهدى إليَّ مشكورًا العدد الأول منها، وهو: "إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني". وكذا العدد الثاني منها وهو "الدليل المغني لتراجم شيوخ الإمام أبي الحسن الدَّارقطني"، فرأيته قد أجاد فيهما -وفقه الله- في ذكر مشايخ الإمامين الطَّبراني والدَّارقُطْني، فقد ترجم لكل شيخ منهم بذكر اسمه كاملًا مع ذكر مشايخه وتلاميذه، وذكر من وثقه أو ضعفه، وذلك إن وجد ذلك التوثيق أو التضعيف، وكذا المصادر التي ترجمت له، أو ذكرت رواية له، أو موضع رواية في أحد مصنفات الإمامين المذكورين.
وهذا العمل -في رأيي- لا يقدره إلا من كابد البحث في تراجم الرواة، فكم من راوٍ بذل فيه البحث في ترجمة فلم توجد، وذلك بسبب تحريف ذكر في اسمه أو اسم أبيه أو غيرهما، أو ذكر أبوه بكنيته، وكذا إن نسب إلى جده، أو ممن فوق، أو قُدِّم اسم أبيه على اسمه، فهذا وأمثاله لا يهتدي إليه إلا بعد وقت ليس بالقليل.
وقد تيسر لباحثنا العثور على تراجمهم -بفضل الله- ثم بجهده، مع التنبيه على أن بعض التراجم قد تيسر العثور عليها بعد طباعة بعض الكتب لم تكن متيسرة
1 / 5
لبعض الباحثين من قبل، وأشهرها "تاريخ الإسلام" للإمام الذهبي.
فهذا العمل الجليل حقيقة يُشكر عليه -جزاه الله خيرًا-، كما أرجو من الله العلي القدير أن يوفقه لإنجاز ما ذكره في مقدمته للكتابين المذكورين مثل "السلسبيل النقي في تراجم شيوخ البيهقي"، أو "الرَّوْض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم" (^١)، وغيرها من المصنفات النافعة -إن شاء الله-.
ولقد عرض عليَّ كذلك جزءًا من عمله الذي بين يديك -أخي القارئ-، وهو "بلوغ الأماني إلى تراجم شيوخ أبي الشيخ الأصْبَهانِي"، فقد أرسل إليَّ مقدمة عمله فيه، وكذا تراجم من بدئ اسمه بحرف الألف، والقسم الأخير منه، وفيه تراجم من بدئ اسمه بحرف الياء.
فوجدته فيما عرض إليّ قد أجاد -حفظه الله- كسابق عمله في الكتابين اللذين أشرت إليهما، فأرجو من الله العلي القدير أن ينفع بكتابه هذا كما نفع بغيره، وكذا أن ينفع بما هو آتٍ في أعماله اللاحقة، وأن يجزيه عن الباحثين في هذا العلم خير الجزاء، وأن يتقبل الله منا ومنه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه: بدر بن عبد الله البدر
في الثالث والعشرين من شهر رمضان
لسنة ١٤٢٩ من هجرة المصطفى ﷺ
الموافق للثالث والعشرين من شهر أيلول
لسنة ٢٠٠٨ من ميلاد عيسى ﵇
_________
(^١) طبع بفضل الله ومنته في مجلدين في دار العاصمة الرياض. وكذا طبع الكتاب الآخر، في هذه الدار المباركة النافعة، جزى الله القائمين عليها خير الجزاء، ووفقهم لطباعة الكتب القيمة النافعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 6
تقديم فضيلة الشيخ أبي الحسن السليماني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فهذا مولود مبارَك، وعطاء يتجدَّد من المجموعة الأولى الخاصة بالمشيخات من "سلسلة تقريب رواة السنة بين يدي الأمة" لأخينا المبارك المجتهد الدؤوب أبي الطيب نايف بن صلاح المنصوري -حفظه الله تعالى-.
وقد أَسْمى هذا الكتاب الماتع النافع بـ "بلوغ الأَماني بتراجم شيوخ أبي الشَّيْخ الأَصْبَهاني".
وقد تميز هذا العطاء بثوبه القشيب عما سبق من كتب هذه السلسلة المباركة بتوسُّع المؤلِّف في ذِكْر شيوخ وتلامذة الراوي المترجم له توسُّعًا يدل على طول نَفَسِه في البحث، -ولا أزكيه على الله تعالى- كما ذكر في ترجمة كل راوٍ الكتاب الذي أخرج فيه أبو الشَّيْخ الأَصْبَهاني حديث هذا الشَّيْخ المترجم له، وجَعَل لكل كتاب منها رمزًا ذكره في مقدمة كتابه هذا، ومن وقف عليه من شيوخ أبي الشَّيْخ خارج كتب أبي الشَّيْخ رمز له برمز (ن)، ولا شك أن من وقف على صفحات الكتاب الحافلة بأسماء تلامذة وشيوخ المترجمين لهم سيُدْرك -آنذاك- مدى الجُهْد الذي بذله المؤلف وفاء بشرطه هذا.
1 / 7
هذا وقد سَبَق أن طبع للمؤلف من هذه السلسلة المباركة عدة مؤلفات انتفع بها طلاب العلم، وأثنى عليها عدد من المتخصصين في هذا الشأن، وفتحت تلك الكتب شهية طلبة العلم للباقي من هذه السلسلة، فهذه بُشرى أزفها للمتلهفين من أهل العلم وطلابه المدركين لقيمة هذا العمل، سائلًا المولى ﷿ أن ينفع به كا نفع بما سبق من نتاجٍ علمي، وأن يجعله حجابًا من عذاب الله وسخطه في الدارين للمؤلف وأهله وذريته، ولكاتب هذه الكلمات وأهله وذريته ووالديه ولقارئه وناشره وجميع المسلمين.
ومن الكتب التي سبقت طبعتها: "إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني"، و"الدليل المغني إلى تراجم شيوخ أبي الحسن الدارقطني"، و"الرّوْض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم"، و"السلسبيل النقي في تراجم شيوخ البيهقي"، كما أن المؤلف -حفظه الله- يقوم حاليًا بجمع مشيخة الخطيب البَغْدادِي، وعلى مشارف الانتهاء من مشيخة أبي نُعَيم الأَصْبَهاني، وقد أسمى هذا العمل: "الفَتْح الرَّباني في تراجم شيوخ أبي نُعَيْم الأَصْبَهاني"، ومن طموحات المؤلف -وهو أهل لذلك- أن يقوم بمثل هذا الجهد في رجال المسانيد والأئمة الأربعة وغيرهم، بل ربما قام بذلك في المشاهير من الكتب الجامعة للرجال، فيضيف إليها ما لم يُذْكر فيها من كلام أئمة الجرح والتعديل، وكذا التلامذة والشيوخ، ولا يخفى ما في هذه الإضافات من تأثير على الراوي جرحًا أو تعديلًا، وكذا على الحكم بسماع الراوي من فلان أو عدمه، فلو أتم الله هذه المشاريع العلمية، وحقَّق للمؤلف طموحاته الحديثية؛ فستكون هذه الجهود خدمة جليلة للمكتبة الإسلامية: حديثًا وفقهًا، لما هو معلوم من أثر صحة الحديث وضعفه على الفقه والأحكام.
1 / 8
وكالعادة: فقد قمتُ بمراجعة هذا الكتاب للمؤلف، ولخصتُ أقوال الأئمة في الراوي بحكم مختصر، يسْهل به على طالب العلم معرفة رتبة حديث الراوي قبولًا أو ردًا، وقد ذكرت في عدد من التراجم التي فيها التباس علة حكمي على الراوي بما حكمت به، وقد سبق أن ذكرت الفائدة من ذلك، وملخص ما سبق ذكره ما يلي:
١ - التسهيل على طلبة العلم في معرفة حال الراوي، ومن ثَمَّ درجة رواياته.
٢ - الاعتذار لنفْسي عند من يخالفني من أهل العلم في الحكم على الراوي، فإن مجرد قول الملخِّص: فلان ثقة، أو صدوق، أو ضعيف، أو متروك، مع وجود أقوال لبعض الأئمة ظاهرها يخالف هذا التلخيص؛ فإن سياقة الحكم ملخصًا مجردًا عن بيان موقفي مما ظاهره مخالفتي يورث ريْبة وترددًا عند طالب العلم، فذكْر علة ما ذهبتُ إليه بيان لوجه ما رجحته.
٣ - تدريب طلبة العلم على كيفية الجمع بين أقوال الأئمة التي ظاهرها التعارض، وهذا لعمر الحق من أهم ما يحتاج إليه طالب العلم، حتى لا يقوِّل الأئمة ما لم يقولوا به، ولا يصرف كلامهم عن وجهه.
٤ - ذِكْر القاعدة الحديثية بمثالها الذي ذكر في بعض التراجم التي عللت فيها أحكامي يؤدي إلى فهم القاعدة على وجهها الصحيح، فبالمثال يتضح المقال.
٥ - قد أفسِّر المراد من بعض الحكايات التي يسوقها بعض أئمة الجرح والتعديل، وأوضِّح المراد منها جرحًا أو تعديلًا، وذلك بعد ما رأيتُ كثيرًا من طلبة العلم لا يدركون مراد الأئمة من هذه الحكايات، ولا يسْبرون غَوْرهم في ذلك.
هذا وما من عمل إلا وفيه ما يشوبه عند صاحبه لو أعاد النظر فيه، فكيف إذا
1 / 9
نظر فيه غيره، لاسيما إذا لم يسْلم من مرغِّب في القدح، ولم يصْفُ من حرص على الطعن، لكن بحسب المرء أن يخلص قصده لخالقه ومولاه، وأن يسلك سبيل أهل العلم فيما يأتي ويذَر، وأن يرجع إلى الصواب إذا ظهر له، وأن تسعه رحمة الله ومغفرته وإحسانه.
هذا وأسأل الله العلي العظيم أن يتولاني بلطفه وعفوه وستره، وجوده وكرمه، وعونه ونصره، ووالدي وأهلي وذريتي وإخواني وذرياتهم وصالح المؤمنين، إنه أعظم مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه أبو الحسن السليماني
مأرب في ٧/ شوال/ ١٤٣١ هـ
1 / 10
المقدمة
إن الحمد للّه نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء:١]، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
وبعد: فهذا هو العدد الخامس من "سلسلة تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، أقدمه إلى الباحثين عن رواة سنة خير الأنام، جمعت فيه ما تفرق وتبعثر من شيوخ الحافظ الهمام، أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حيَّان الأصْبَهانِي الملقب بأبي الشَّيْخ الإمام، (٣٦٩ هـ)، وذلك من كتبه المطبوعة التي وقفت عليها، والتي بلغت عشرة كتبٍ، وكذا من كتب راويته أبي نعيم أَحْمَد بن عَبْد اللّه الأَصْبَهانِي المتوفى (٤٣٠ هـ)، وغير ذلك مما هو مبثوث في بطون كتب الرجال، مما سيقف عليه الباحث -إن شاء اللّه تعالى، مما طالته يدي، وقد أسميت هذا العدد "بُلُوغ الأَماني بتراجم شيوخ أبي الشَّيْخ الأَصْبَهانِي"، وسلكت في تنسيق مادته وترتيبها ما سلكته في الأعداد السابقة، وخاصة العدد الأخير منها الموسوم بـ "السلسبيل النقي إلى تراجم شيوخ البيهقي"، إلا أني في هذا العدد قد استعملت
1 / 11
رموزًا اختصرت بها أسماء كتب أبي الشَّيْخ الأصْبَهانِي، ووضعتها بجانب كل شيخ، وتفصيلها على النحو التالي:
(أ) رمز لكتاب "أخلاق النبي ﷺ وآدابه".
(ث) رمز لكتاب "الأمثال في الحديث النبوي".
(ج) رمز لـ "جزء فيه أحاديث أبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيّان".
(ز) رمز لـ "جزء فيه أحاديث أبي الزبير عن غير جابر".
(ط) رمز لكتاب "طبقات المحدثين بأصبهان والورادين عليها".
(ع) رمز لكتاب "العظمة".
(ف) رمز لجزء من كتاب "الفوائد".
(ق) رمز لجزء "ذكر الأقران ورواياتهم عن بعضهم بعضًا".
(ل) رمز لـ "جزء فيه عوالي أبي الشيخ".
(ن) رمز لما زدته من شيوخ على ما في كتبه المطبوعة.
(و) رمز لكتاب "التوبيخ والتنبيه".
واستعملت -أيضًا- رقمًا تسلسليًا داخليًا لمن زدته، وجعلته قبل الرمز (ن)، وبعد الرقم التسلسلي العام.
وقد عملت ترجمة لأبي الشيخ -كما جرت بذلك عادتي من أني أذكر في مقدمة كل عدد من أعداد هذه السلسلة ترجمة مفصلة نوعًا ما، لصاحب المشيخة التي قمت بجمعها له- وأودعتها أول هذه المشيخة، وتكلمت فيها على العناصر التالية:
اسمه ونسبه، كنيته، لقبه، ولادته، أسرته، أول سماعه للحديث ونشأته فيه، رحلاته، طبقته، شيوخه، تلاميذه، عبادته وزهده وورعه وتقواه، عقيدته ومذهبه، حرفته، آثاره العلمية، ثناء العلماء عليه وتوثيقه، المآخذ التي أخذت عليه، موقعه
1 / 12
بين أئمة الجرح والتعديل، وفاته، رثاؤه، رؤيا رؤيت له بعد وفاته.
وأخيرًا: فإني أشكر لفضيلة الشيخ بدر بن عبد اللّه البدر على ما تفضل به من إبداء وجهة نظره في هذه السلسلة المباركة عمومًا، وفي بعض الأعداد التي وصلته مما قد طبع منها على وجه الخصوص، وأشكره أيضًا على كتابته لهذه الكلمات النافعة الماتعة، حول كتابنا هذا، والشكر موصول له أيضًا على تواصله معي وسؤاله عن الجديد من مطبوعات هذه السلسلة المباركة -إن شاء اللّه تعالى-.
وفضيلة الشيخ لا يحتاج مني إلى تعريف فهو معروف منذ زمن بالعلم والفضل، والمنهج القويم منهج أهل السنة والجماعة، فجزاه اللّه خير الجزاء، وبارك في عمره ووقته، وجعلنا الله وإياه من مصابيح الهدى وقناديل الدجى، التي ستضاء بها في دفع الردى.
وختامًا؛ فإني أسال المولى ﷾ أن يلهمني الصواب في كل ما أكتب، وأن ينفع به العباد جميعًا، في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفقنا جميعًا للعمل بما علمنا، وأن يجعل ذلك كله خالصًا لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب، وصلى اللّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى ربه:
أبو الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري
بمكتبة دار الحديث الخيرية بمأرب
يوم الثلاثاء ١١/ شعبان سنة ١٤٢٩ هـ
الموافق: ١٢/ ٨/ ٢٠٠٨ م
هاتف: ٠٠٩٦٦٧٧٧٨٦٣٥٦١
البريد الكتروني: el-ssmansury@hotmail.com
1 / 13
ترجمة أبي الشيخ الأصْبَهانِي
(١) اسمه ونسبه:
هو عبد الله بن محمد بن جَعْفَر بن حَيّان
(٢) كنيته:
أبو محمد، وقد نص على تكنيه بذلك غير واحد منهم: الأمير ابن ماكولا في "الإكمال" (٥/ ٩٥)، وابن الصلاح في "المقدمة" مع "التقييد" (ص ٣٧١)، والحافظ في "نزهة الألباب" (٢/ ٢٦٤)، وغيرهم.
(٣) لقبه:
أبو الشيخ: قال ابن الصلاح في "المقدمة" مع "التقييد" (ص: ٣٧١) في الضرب الثالث من النوع الموفي خمسين: الذين لقبوا بالكنى، ولهم غير ذلك كنى وأسماء، أبو الشيخ الأصْبَهانِي عبد اللّه بن محمد الحافظ، كنيته أبو محمد، وأبو الشيخ لَقَب.
وقال ابن نقطة في "التكملة" (٢/ ١٩٩): أبو الشيخ لقب.
وقال العراقي في "ألفيته" (ص: ١٠٩):
ثم كنى الألقاب والتعدد … نحو أبي الشيخ أبي محمد
وقد نص على أن هذا اللقب له غير واحد ممن صنَّف في الألقاب، كالذهبي في رسالته "ذات النقاب في الألقاب" (برقم: ١١)، والحافظ ابن حجر في "نزهة الألباب" (٢/ ٢٦٤)، وبدر الدين العيني في "كشف القناع المرئى" (ص: ٦٢)، والسخاوي في "معرفة الألقاب" (ص:؟؟؟)، وغيرهم.
1 / 15
تنبيه:
ذكر ابن ماكولا في "الإكمال" (٥/ ٩٥): هذا اللقب بالتنكير؛ فقال: "أبو شَيْخ الأصْبَهانِي". فعلق على ذلك العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي بقوله: المشهور التعريف "أبو الشيخ"، والخَطْب سهل.
(٤) نسبته:
ذكر "بالأنصاري"، و"الحيّانِي"، و"الأصبَهاني"، -ويقال: "الأَصْفَهاني" بالفاء و"الوَزان"، و"القَصِيْر".
فأما "الأنصاري"، فلم ترد إلا في مصدر واحد من مصادر ترجمته، وهو كتاب "تذكرة الحفاظ" للذهبي، وتبعه في ذلك بروكلمان، فذكره به في كتابه "تاريخ الأدب العربي" (٣/ ٢٢٦ - ٤/ ٤٣).
وعندي أن هذه النِّسبَة مُصَحفة من "الأَصْبَهاني"، لأمور منها:
(أ) لعدم وجود نسبة "الأَصْبَهاني "في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" نفسها مع كونها أشهر من غيرها.
(ب) أننا رجعنا إلى مختصر "تذكرة الحفاظ" للسيوطي المسمى بـ "طبقات الحفاظ" فلم نجد فيه إلا نسبة "الأصْبَهانِي" فقط.
(ج) أننا رجعنا إلى كتب الذَّهَبِي نفسه الذي ترجم فيها لأبي الشَّيْخ، فما وجدناه ذكره إلا بنسبة "الأصْبَهانِي" فحسب.
(د) أننا رجعنا إلى "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي وغيرها من مصادر ترجمته، فلم تذكر فيها نسبة الأنصاري، فبمجموع هذه القرائن ترجح لدي عدم ثبوت هذه النِّسبة له، وأن صوابها "الأصْبَهانِي"، والله الموفق.
وأما الحَيّاني:
1 / 16
فبفتح الحاء المهملة، وتشديد الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها النون، نسبة إلى اسم بعض أجداده وهو "حَيّان"، وقد ذكره بها السمعاني في "الأنساب" (٤/ ٢٨٥)، وابن نُقْطَة في "تكملة الإكمال" (٢/ ١٩٩)، والذَّهَبِي في "المشتبه"، كما "توضيحه" (٢/ ١٥٠)، وغيرهم.
وأما "الأصْبَهانِي" -ويقال: "الأَصفَهانِي" بالفاء الموحدة-.
فبفتح الهمزة، وسكون الصاد المهملة، وفتح الباء أو الفاء الموحدة والهاء، وفي آخرها النون بعد الألف (^١)، نسبة إلى أشهر بلدة بالجبال، كانت تضاهي بغداد في علو الإنسان، وكثرة الحديث والأثر (^٢)، وموقعها جغرافيًا حاليًا في جمهورية إيران (^٣)، وقد نسبه إليها كل من ترجم له.
فائدة:
اختلف في ضبط همزة هذه النِّسْبة، فمنهم من ضبطها بالفتح، ومنهم من ضبطها بالكسر كعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي في "معجم ما استعجم" (١/ ١٦٣)، ومنهم من ضبطها بالكسر والفتح معًا كأبي سعد السمعاني في "الأنساب" (١/ ٢٨٩).
وقال ياقوت الحموي في "معجم البلدان" (١/ ٢٤٤): "منهم من يفتح الهمزة وهم الأكثر".
فائدة أخرى:
قد تكتب الباء في هذه النِّسبة فاءً كما سبقتْ الإشارة إلى ذلك، فيقال للبلد "أَصْفَهان"، وفي النِّسْبة "الأَصْفَهاني"، وذلك لأن هذه البلدة بالعجمية (أسبهان)
_________
(^١) "الأنساب" (١/ ٢٨٩).
(^٢) "الأمصار ذوات الآثار" (ص ٢٣٢).
(^٣) "أطلس تاريخ الإسلام" (ص ٤٢٠).
1 / 17
بباء فارسية، تُعرّب تارة باء خالصة، وتارة فاء كنظائرها، أفاده العلامة المعلمي، كما في حاشية "الأنساب" (١/ ٢٨٩).
وأما الوازن:
فقد تفرد بذكره إسماعيل باشا البَغْدادي في "هداية العارفين" (٥/ ٤٤٧)، وعندي أنها مصحفة من "الوَرّاق" فإن أبا الشَّيْخ كان مشهورًا بالوراقة، حتى قال أبو موسى المَدِيني، كما في "النبلاء" (١٦/ ٢٧٨): كان يكتب كل يوم دستجة كاغد؛ لأنه كان يورِّق ويُصنف.
وأما القَصِيْر:
فبفتح القاف، وسكون الياء بعد الصاد المكسورة، وفي آخرها الراء، كما في "الأنساب" (١٠/ ١٧٥)، وذكره بهذه النِّسْبة تلميذه أبو بكر ابن المقرئ.
قال ابن عبدالهادي في "طبقاته" (٣/ ١٣٩): "روى عنه ابن المقرئ، وقال: حدثنا عبد الله بن محمد القَصِيْر". وكذا قال الذهبي في "التذكرة" (٣/ ٩٤٦)، و"النبلاء" (١٦/ ٢٧٩).
قلت: وقد وقفت على موضع من كتب ابن المقرئ ذكره بها فيه، ففي كتاب "الرُّخصة في تقبيل اليد" برقم (١١): حدثنا عبد الله بن جَعْفَر القَصِيْر.
(٥) ولادته:
ولد -رحمه الله تعالى- في سنة أربع وسبعين ومائتين. كما صرح بذلك ابن عبد الهادي في "طبقاته" (٣/ ١٣٨)، والذهبي في "التذكرة" (٣/ ٩٤٥) وغيرها، والصَّفَدي في "الوافي بالوفيات" (١٧/ ٤٨٥)، وغيرهم.
(٦) أُسْرَته:
وأما عن أسرته -رحمه الله تعالى- فأُسرة علمية ذات مكانة في مجتمعها الذي
1 / 18
كانت تعيش فيه، قال رشَيْد الدين العطّار في "نزهة الناظر" (ص: ٨٠): "أبو الشيخ من بيت الحديث، حدَّث هو، وأبوه، وخاله".
وقد أتحفتنا المصادر الموجودة لدينا عن هذه الأسرة المرموقة بما يلي:
(أ) والده:
وقد كان -رحمه الله تعالى- له اهتمام بالحديث وعناية به، وحُب لأهله، ففي "الطبقات" لأبي الشيخ: والدي ﵁ كان عنده كتب الحسين بن حفص، و"مسند" يونس، وعنده عن أحمد بن يونس، وأحمد بن عصام، وعامة الأصبهانيين. وانظر ترجمته في هذا "المعجم".
(ب) جده:
قال أبو الشيخ في "الطبقات" (٣/ ٤٨٨): ترجمة محمد بن أسد بن يزيد: "بلغني أن جدي ﵀ كان ينتابه الكثير، فيدعوا، ويسأله أن يؤمِّن على دعائه، وكذلك والدي ﵀ كنت أصير إليه، مع والدي قاصدًا للدعاء".
وقال في (٣/ ٦١٤) - أيضًا-: "أبو نَصْر عَمْرو بن نُصَيْر القُرَشِي" من أصحاب جدي -رحمهما اللّه تعالى-.
(ج) ابنه عبد الرزاق بن أبي الشيخ الأصبَهانِي:
تراجع ترجمته في "مشيخة أبي الشيخ" هذه.
(د) حفيده أبو الفتح محمد بن عبد الرزاق بن أبي الشيخ:
ذكره الذهبي في "المشتبه" كما في "توضيحه" (٢/ ١٥٠)، وذكر أنه يروي عن جدّه أبي الشيخ.
(هـ) أخوه عبد الرحمن بن محمد بن جَعْفَر بن حيّان الأصْبَهانِي:
ترجمه أبو نعيم في "تاريخه" (٢/ ١٢٠) فقال: عبد الرحمن بن محمد بن جَعْفَر بن حيّان أبو مسلم المؤدب أخو أبي الشيخ توفي فجْأة سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.
1 / 19
(و) جده من قِبل أمه محمود بن الفرج:
ترجمه أبو الشيخ في "طبقاته"، وغيره، تراجع ترجمته في هذه "المشيخة".
(ز) خاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن الفرج:
مترجم -أيضًا- في هذه "المشيخة".
(ح) خاله عبد الرحمن بن محمود بن الفرج:
قال أبو الشيخ في "طبقاته" (٤/ ٢١٦): خالي عبد الرحمن بن محمود بن الفرج، كتب مع أخيه، سمع الكثير، ولم يخرج حديثه، مات سنة ثمان وتسعين ومائتين.
(٧) أول سماعه للحديث ونشأته فيه:
بدأ -رحمه الله تعالى- بسماعه للحديث من علماء بلده أصبهان، كما هو دأب المحدثين في ذلك، أن الطالب يتلقى العلم أولًا من علماء بلده؛ لقربهم ومعرفته بهم، فقد قال الخطيب في "تاريخه" (١/ ٢١٤): أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزَّار بهمذَان، قال: سمعت أبا الفضل صالح بن أحمد بن محمد التَّمِيْمِي الحافظ، يقول: "ينبغي لطالب الحديث ومن عُنيَ به، أن يبدأ بكتب حديث بلده ومعرفة أهله، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحه وسقيمه، ويعرف أهل التحديث به، وأحوالهم معرفة تامة، إذا كان في بلده علم وعلماء قديمًا وحديثًا، ثم يشتغل بعدُ بحديث البلدان والرحلة فيه" (^١).
وقد مكث في بلده وهو ينهل من معين علمائها، ويحضر مجالسهم مدة طويلة، وحق له ذلك؛ لما كان لأصبهان من مكانة علمية مرموقة؛ بحيث صارت مقصد القاصي والداني، ولا سيما بعد ما استوطنها عدد من كبار حفاظ المحدثين، فقد قال أبو الشيخ في "طبقاته": (٢/ ١٩٣): حدثني أبي -رحمه الله تعالى- قال: ثنا أحمد بن
_________
(^١) إسناده صحيح.
1 / 20
مهدي، قال: قدم أبو حفص -يعني الفلاس- من أصبهان، فذُكر لأبي النعمان عارم، فقال: قدم أبو حفص من أصبهان، وحمل خمسة آلاف درهم، فقال: "هاجر أبو داود إلى أصبهان، وصيروها دار هجرة".
وقال الذهبي في رسالته "الأمصار ذوات الآثار" (ص: ٢٣٢): "وأصبهان التي كانت تُضاهي بغداد في علوم الإسناد، وكثرة الحديث، والأثر".
وقال السخاوي في "الإعلان بالتوبيخ": "كانت أصبهان تُضاهي بغداد في العلو والكثرة".
وقد كان أول سماعه للحديث في سنة أربع وثمانين ومائتين، قبل سن العاشرة من عمره -يرحمه الله-. قال ابن عبد الهادي في "طبقاته" (٣/ ١٣٨): "سمع سنة أربع وثمانين -يعني ومائتين-، وكتب العالي والنازل".
وقال الذهبي في "التذكرة" (٣/ ٩٤٥): "سمع في سنة أربع وثمانين وهلم جرًا، وكتب العالي والنازل، ولقي الكبار".
وقال في "النبلاء" (١٦/ ٢٧٧): "طلب الحديث في الصِّغَر، اعتنى به الجد، فسمع من جده محمود بن الفرج الزاهد، …، وإسحاق بن إسماعيل الرَّمْلي سمع منه في سنة أربع وثمانين ومائتين".
وقال في "التاريخ" (٢٦/ ٤١٨ - ٤١٩): "سمع في صغره، وأول سماعه سنة أربع وثمانين".
وقال في "العبر" (٢/ ١٣٢): "أول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين من إبراهيم بن سعدان، وابن أبي عاصم وطبقتهما".
قال مقيده -عفا الله عنه-: ومما يدل على قدم سماعه، وحرصه على سماع الحديث ممن قدم بلدته أصبهان قوله في "الطبقات" (٣/ ٣١٠) في ترجمة شيخه إبراهيم بن سعدان: "توفي سنة أربع وثمانين ومائتين". ففي هذا النص دليل على أن
1 / 21
سماعه منه كان فيها أو قبلها.
وقال -أيضًا- (٣/ ٣٠٧): "محمد بن أبي سهل، توفي سنة خمس وثمانين ومائتين، أدركته، وسمعت منه مجالس، وذهب سماعي".
وقال في (٣/ ٢٩٦): "أبو الشيخ الأبْهَري محمد بن الحسين، كتبت عنه سنة ست وثمانين ومائتين".
وقال في (٣/ ٤٢٩): "أبو العباس محمد بن أحمد الهروي، كتبنا عنه سنة ست وثمانين ومائتين، وخرج -يعني من أصبهان-".
وقال في (٣/ ٢٢٢): "القاسم بن محمد بن الصَّبَّاح الأصْبَهانِي، حضرت مجلسه، وسمعت منه، مات سنة ست أو سبع وثمانين".
وقال في (٣/ ٣٨٦): "أبو بكر أحمد بن عمرو البزَّار، قدم علينا مرتين، المرة الثانية سنة ست وثمانين ومائتين".
وقال في (٣/ ٦١٢): "عمر بن بحر الأسدي، قدم علينا سنة ثمان وثمانين ومائتين".
وقال في (٣/ ٦١٥): "عمر بن نُصَيْر القُرَشِي، كتبت عنه سنة ثمان وثمانين ومائتين، وخرج إلى طَرَسوس".
وقال أبو نعيم في "الحلية" (٩/ ٣٣٩): "حدثنا عبد الله بن محمد بن جَعْفَر، ثنا أبو بكر الدِّيْنوَرْي المفسر سنة ثمان وثمانين ومائتين".
وقال في (٣/ ٦٠٨): "أحمد بن عيسى بن ماهان الرَّازِي الجوال، قدم علينا سنة تسع وثمانين ومائتين، وأملى علينا في الجامع".
وقال في (٤/ ٨٦): "أحمد بن روح الشَّعْراني، قدم علينا -يعني قبل التسعين- ومائتين". "أخبار أصبهان" (١/ ١١٠).
وقال في (٤/ ٧٣): "الحسن بن إدريس العَسْكري، قدم علينا سنة إحدى
1 / 22
وتسعين ومائتين".
وقال في (٤/ ٨٢): "الحسن بن علي بن نصر الطُّوسي، قدم علينا سنة خمس وتسعين ومائتين".
وقال (٤/ ٥٠): "عبد الله بن الحسين بن زهير النَّيْسابُوري، قدم علينا سنة ست وتسعين ومائتين، ثم خرج إلى البصرة".
وقال (٣/ ٥٠٢): "حاجب بن أبي بكر أرَكِيْن، قدم علينا أيام بدر سنة ست وتسعين ومائتين".
وقال في (٤/ ٤٠): "عبد اللّه بن الحسين بن محمد بن زهير النَّيْسابُوري، قدم علينا قبل الثلاثمائة، يُحدِّث من حفظه".
(٨) رحلاته:
سبق وأن ذكرنا قول أبي الفضل صالح بن أحمد التَّمِيْمِي فيما ينبغي على طالب الحديث أن يسلكه في بداية طلبه؛ من انشغاله بحديث علماء بلده، قال: "ثم يشتغل بعدُ بحديث البلدان والرحلة فيه".
وقد كان إمامنا أبو الشيخ الأصْبَهانِي أنموذجًا في ذلك؛ فإنه بعد اشتغاله بحديث بلده وكَتْبِه عاليًا ونازلًا، مع تفهمه وضبطه له، ومعرفته التامة بأهل بلده، اشتغل بعد ذلك بحديث البلدان والرحلة فيه.
قال ابن نقطة في "تكملة الإكمال" (٢/ ١٩٩): "طاف البلاد وسمع ببغداد، وبالبصرة، وبالموصل".
وقال الذهبي في "النبلاء" (١٦/ ٢٧٧): "سمع في ارتحاله من خلق".
وقال في "تاريخه" (٢٦/ ٤١٩): "رحل فسمع بالبصرة، وببغداد، وبالموصل، وبحرّان، وبالرَّي".
1 / 23
(أ) أول زمن رحلاته.
وقال الذهبي في "العبر" (٢/ ١٣٢): "رحل في حدود الثلاثمائة إلى الموصل، وحرّان، والحجاز، والعراق".
قال مقيده -عفا الله عنه-: ولعل مأخذ قول الذهبي في تحديد رحلته بحدود الثلاثمائة، قول أبي الشيخ في ترجمة محمد بن العباس بن أيوب الأخرم في "طبقاته" (٣/ ٤٤٧): "سألني عنه ببغداد هيثم الدُّوري، وأبو بكر البَرْدِيْجي، وقاسم المُطرز".
وقد كانت وفاة البَرْدِيْجي ببغداد سنة إحدى وثلاثمائة -كما في "طبقات" أبي الشيخ (٤/ ٨٤).
وقد وقفت على تحديد أدق لزمن رحلته، ففي كتاب في "الطبقات" (٤/ ١٢٨) قال أبو الشيخ: أحمد بن جَعْفَر بن سعيد المُلْحَمي، ارتحل فيما ذكر بضعة عشرة رحلة، آخر رحلته ونحن ببغداد سنة سبع وتسعين ومائتين.
وقد كانت رحلته في أواخر هذه السنة -أعني سنة سبع وتسعين ومائتين- ففي "الطبقات" (٤/ ٩١): قال أبو الفتح: أبو جَعْفَر محمد بن إلياس، قدم علينا سنة سبع وتسعين ومائتين، وخرج، ولقيته ببغداد.
ومما سبق يتلخص لنا أن أول رحلته كانت في أواخر سنة سبع وتسعين ومائتين.
وقد استمر في رحلته هذه إلى سنة أربع وثلاثمائة، فقد قال في "الطبقات" (٤/ ١٠١): "أحمد بن محمد بن السَّكَن، قدم علينا -يعني أصبهان- سنة أربع وثلاثمائة، …، فَفُتِشَ عنه، وكان ممن يسرق الحديث، ويُحدث بالبواطيل، فتركوا حديثه، ومما كتبنا عنه … ".
فنستفيد من هذا النص أن أبا الشيخ كان في سنة أربع وثلاثمائة بأصبهان، وأنه
1 / 24
قد رجع من رحلته التي كانت قي حدود الثلاثمائة.
(ب) صحبته في رحلاته كبار الحفاظ:
وقد كان -رحمه الله تعالى- يُرافِق في رحلاته كبار الحفاظ والمسندين في زمانه، ففي "تذكرة الحفاظ" (٣/ ٩٧٣): ورُوي عن أبي بكر بن أبي علي-يعني محمد بن أحمد الذَّكواني- أنه قال: "كان ابن المقرئ يقول: كنتُ أنا، والطبراني، وأبو الشيخ بالمدينة، فضاق بنا الوقت، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرتُ القبر، وقلت: يا رسول الله، الجوع، فقال لي الطبراني: اجلس، فإما أن يكون الرِّزق أو الموت، فقمتُ أنا، وأبو الشيخ، فحضر الباب علوي، ففتحنا له، فإذا معه غُلامان بقفَّتين فيهما شيء كثير، وقال: شكوتموني إلى رسول النبي ﷺ، رأيته في النوم، فأمرني بحمل شيءٍ إليكم. (^١)
(ج) حرص جيرانه من أهل الحديث على صحبته في الرِّحلة:
قال أبو نعيم في "تاريخه" (٢/ ٢٩٣): "محمد بن الحسن بن علي بن معاذ أبو عبد الله جارُنا صحب أبا محمد بن حيّان أبا الشيخ، وخرج معه إلى الرَّي".
(د) رجوع بعض مشايخه الذين كان يرحل إليهم إليه، وسؤاله، وذلك في أثناء رحلته:
فقد قال في كتاب "الطبقات" (٣/ ٤٤٧): "محمد بن العباس بن أيوب الأَخْرم، سألني عنه ببغداد هيثم الدُّوْرِي، وأبو بكر البَرْدِيْجي، وقاسم المُطرز".
وهذا يدل على علو قدْره، وعظيم شأنه، واعتماد قوله في هذا الشأن.
(هـ) اعتنائه وحرصه في أثناء رحلته على الاطلاع على أصول شيوخه:
قال في "الطبقات": رأيت هذا الحديث في "فوائد أبي بكر البَرْدِيْجي" ببغداد.
_________
(^١) انظر التعليق على هذه القصة في ترجمة ابن المقرئ محمد بن إبراهيم من هذه "المشيخة".
1 / 25