وأنزل الحاكة والحجامين بادرايا وباكسايا، وأنزل التجار الأهواز، وأنزل الأطباء سيرى (1) قرية بماسبندان.
فلما ميز قباذ إقليمه وعرف أهل بقاعه مسح البلاد ووقف على الحدود وعدد الفراسخ، اختار النزول بالمدائن ليقرب من الروم. وأخذ في بنائها. وابتدأ بعمل قصر ليسكنه. فكان كلما رفع من حائطه شيئا هبت ريح عظيم فتقلعه. فلما رأى ذلك وجه إلى بليناس المطلسم فأحضره من بلده وأمره أن يطلسم مواضع آفات إقليمه. وقال له: ابدأ بالمدائن. وجعل له على كل طلسم يعمله أربعة ألف درهم.
فاتخذ له في موضع الإيوان مكان وسط القصر طلسما كبيرا وجعل حوله أحد عشر طلسما. فأما الكبير فللريح التي كانت تقتلع الحائط فسكنت وتم البناء. وطلسم للعقارب فقلت بها. وآخر للحمى، وآخر للجرارات وآخر للسباع وآخر للبراغيث وآخر لاجتماع كلمة أهلها، وآخر ليطيع أهلها ملوكهم ما بقوا، وآخر لملوك الأقاليم أن يهابوا ملك العراق ولا يخالفوه وآخر لتعف نساؤهم عن الفجور وآخر لتزكو غلاتهم وثمارهم. وجعل على يمين كل طلسم منها وشماله وقدامه وورائه كنزا بينه وبينه أربعون ذراعا. ثم طلسمها وكنوزها أن تخفى عن الناس فخفيت.
ويقال إنه ما بني بالآجر والجص بنية أبهى ولا أجل ولا أحكم ولا أعلى سقفا ولا أكثر ذرعا من إيوان كسرى بالمدائن. وفيه يقول البحتري من شعر طويل:
وكأن الإيوان من عجب الصنعة
جرب في جنب أرعن جلس
[95 ب]
مشمخر تعلو له شرفات
رفعت في رؤوس رضوى وقدس
ليس يدرى أصنع إنس لجن
سكنوه أم صنع جن لإنس
قال: وأنشدني ابن الحاجب لنفسه يصف الإيوان:
إن خانني زمن فمن هذا الذي
لم تستبحه خيانة الأزمان
صفحه ۴۲۰