بودیسم: مقدمهای بسیار کوتاه
البوذية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
عوالم الوجود الثلاثة
فكرة العوالم الستة والمستويات الإحدى والثلاثين تتداخل مع فكرة أخرى تتمثل في أن الكون مقسم إلى ثلاثة عوالم. العالم الأدنى في تلك العوالم هو «عالم الرغبات الحسية» («كامافاكارا») الذي يشمل كل المستويات حتى الجنة السادسة التي تعلو عالم البشر. والعالم التالي هو «عالم الشكل النقي» («روبافاكارا»)، وهو حالة روحانية علوية فيها تدرك الآلهة ويتواصل بعضها مع بعض من خلال نوع من التخاطر. ويمتد هذا العالم حتى المستوى السابع والعشرين. وأعلى هذه العوالم هو «عالم اللاشكلية» («أروبافاكارا»)، وهو حالة روحانية مهيبة يكاد يستحيل وصفها، وبعيدة عن أي شكل ونمط توجد على أساسه الكائنات في صورة طاقة ذهنية صافية.
والآلهة في المستويات الأربعة لعالم اللاشكلية تدرك الظواهر بأساليب تتزايد في غموضها تدريجيا؛ ففي المستوى الأدنى (المستوى 28) تدرك الظواهر كفضاء لا متناه، وفي المستوى الثاني (المستوى 29) تدرك الظواهر كوعي لا متناه، وفي المستوى الثالث (المستوى 30) تدرك الظواهر كأنها «عدم»، أو فكرة أن الغموض الشديد لهذا النوع من الوجود يشبه اللاوجود. وأخيرا، تتلاشى فكرة «العدم» وتظهر حالة ذهنية لا توصف تعرف باسم «حالة الإدراك واللاإدراك» (المستوى 31)؛ وهذه أعلى حالة يمكن لأي شخص أن يولد فيها من جديد. وإذا بدت أسماء الحالتين العلويتين مألوفة، فإن السبب يرجع إلى أنهما تحملان نفس أسماء مراحل التأمل التي اكتسبها بوذا على يد معلميه. وقد وصل بوذا إلى هاتين الحالتين من خلال التأمل. وكما سنرى، فإن الأفكار البوذية المتعلقة بتصور الكون تتطابق مع نظرية التأمل البوذية.
شكل 3-3: مخطط الكون من المنظور البوذي يوضح المستويات الواحد والثلاثين، وعوالم الوجود الثلاثة، ومستويات التأمل الثمانية (جاهانا).
الكارما
في التصور الكوني المذكور في السابق، تعمل الكارما بمنزلة المصعد الذي يحمل الناس من أحد الطوابق في أحد المباني إلى طابق آخر؛ فالأفعال الحسنة تؤدي إلى حركة صاعدة، والأفعال الخبيثة تؤدي إلى حركة هابطة؛ فالكارما ليست نظام ثواب وعقاب ينفذه الرب، بل هي نوع من القوانين الطبيعية تشبه قانون الجاذبية. وعلى هذا النحو، الأفراد وحدهم هم من يصنعون حظهم الحسن أو السيئ. وفي الاستخدام الشعبي يعتقد أن الكارما هي فقط الأمور الجيدة والأمور السيئة التي تحدث للأشخاص، وهذا تصور يشبه إلى حد ما فكرة الحظ الجيد والحظ السيئ. أما المعنى الحرفي لكلمة كارما السنسكريتية فهو «الفعل»، لكن الكارما كمفهوم ديني لا ترتبط بأي نوع من الأفعال فحسب، بل ترتبط بأفعال ذات طبيعة خاصة. إن أفعال الكارما هي أفعال «أخلاقية»، وقد حدد بوذا الكارما بالإشارة إلى الخيارات الأخلاقية والأفعال المترتبة عليها، فقال: «إن الاختيار («تشيتانا») أيها الرهبان هو ما أطلق عليه كارما، إنه اختيار أحد الأفعال من خلال الجسم أو الكلام أو العقل» (كتاب أنجوتارا). وتختلف الأفعال الأخلاقية عن غيرها من الأفعال في أنها ذات نتائج مباشرة ونتائج غير مباشرة. ونرى النتيجة المباشرة في الأثر المباشر لهذه الأفعال الأخلاقية على الآخرين؛ فعلى سبيل المثال، عندما نقتل أو نسرق، يحرم أحد الأشخاص من حياته أو ممتلكاته. والنتيجة غير المباشرة تظهر في طريقة تأثير الأفعال الأخلاقية على فاعلها. ووفقا للبوذية ، يتمتع البشر بالإرادة الحرة، وعند ممارسة هذه الإرادة فإنهم يمارسون تقرير المصير. في الواقع، يخلق الأفراد أنفسهم من خلال خياراتهم الأخلاقية؛ فمن خلال اختيار أنواع معينة من الأشياء بحرية وعلى نحو متكرر، يشكل الفرد شخصيته، ومن خلال تشكيل شخصيته يتشكل مصيره. وكما يقول المثل: «ازرع فعلا تحصد عادة؛ ازرع عادة تحصد شخصية؛ ازرع شخصية تحصد مصيرا.»
تشرح البوذية هذه العملية في ضوء «السانكاراس» (بالسنسكريتية: سامسكاراس)، وهو مصطلح صعب يترجم عادة بمعنى «التشكيلات الذهنية». و«السانكاراس» هي السمات والطباع الشخصية التي تكونت عند اتخاذ الخيارات الأخلاقية («تشيتانا») وتنفيذها عمليا. ويمكن تشبيه العملية بعمل صانع الأواني الفخارية الذي يشكل الصلصال ويكسبه شكلا نهائيا؛ فالصلصال الطري هو شخصية المرء، وعندما نتخذ خيارات أخلاقية فإننا نمسك أنفسنا في أيدينا ونشكل طبائعنا على نحو جيد أو سيئ. وليس من الصعب أن نرى حتى خلال حياة واحدة لأحد الأشخاص كيف تؤدي حتما مجموعة معينة من السلوكيات إلى نتائج محددة. وتظهر الأعمال الأدبية الرائعة كيف أن القدر الذي ينزل بالأبطال لا يكون محض مصادفة، بل يكون وليد عيب في شخصية الأبطال، ويقود هذا العيب إلى سلسلة من الأحداث المأساوية. ويشار إلى الآثار البعيدة للخيارات الكارمية باسم «النضج» (فيباكا) أو «الثمرة» (بالا) للفعل الكارمي. والاستعارة المجازية هنا تشبه الأمر بالزراعة؛ فالقيام بالأفعال الجيدة والسيئة يشبه زرع البذور التي سوف تثمر لاحقا. فغيرة عطيل وطموح ماكبث الجامح وتردد هاملت وشكه في ذاته ستعتبر من منظور البوذية «سانكاراس» (تشكيلات ذهنية)، وستكون النتيجة المأساوية في كل حالة هي «الثمرة» (بالا) المحتومة للخيارات التي دفعت السمات الشخصية هؤلاء الأفراد لاختيارها.
شكل 3-4: صبي صغير يعتبر تناسخا لروح اللاما التبتي كينزور رينبوتشي. مشهد من فيلم «تناسخ روح كينزور رينبوتشي» (الهند 1991).
ولا يشهد المرء كل عواقب ما اقترفه في حياته التي قام فيها بهذه الأفعال؛ فالكارما التي تراكمت ولم يشهدها صاحبها تنتقل إلى الحياة التالية، أو ربما لحيوات كثيرة مستقبلية. ويختلف البوذيون حول كيفية حدوث ذلك تحديدا، وأحد الاحتمالات يقول بأن القيام بالأفعال الجيدة يشبه شحن البطارية بطاقة الكارما، وتحفظ هذه الطاقة بعد ذلك إلى وقت مستقبلي. ويعتقد أن الكارما تحدد جوانب معينة أساسية متعلقة بالميلاد التالي للشخص. وتشمل هذه الجوانب العائلة التي سيولد فيها، ومكانته الاجتماعية، ومظهره الخارجي، وبالطبع طبعه وشخصيته؛ لأن هذه الأمور يحملها معه من حياته السابقة. ويتبنى بعض البوذيين نظرة قدرية ويرون أن كل حظ جيد وسيئ يكون راجعا إلى سبب متعلق بالكارما. ورغم ذلك، فإن مبدأ الكارما لا يزعم أن كل شيء يحدث للإنسان يكون محتوما من قبل الكارما؛ فكثير من الأمور التي تحدث في الحياة - مثل الفوز بورقة اليانصيب أو كسر الساق - من الممكن أن تكون مجرد مصادفة؛ فالكارما لا تحدد بالضبط ما سيحدث أو كيف سيكون رد فعل أي شخص تجاه ما يحدث؛ فالأفراد أحرار في مقاومة طبائعهم السابقة وتكوين أنماط سلوكية جديدة من شأنها أن توقف دورة الميلاد المتكرر التي لا تنتهي.
إذن ما الذي يجعل الفعل جيدا أو سيئا؟ من تعريف بوذا الموضح أعلاه يمكن أن يعد الأمر في الأساس مسألة نية واختيار. وتصف البوذية مصادر التحفيز النفسي بأنها «جذور»، ويقال إنه توجد ثلاثة جذور خيرة وثلاثة جذور سيئة؛ فالأفعال التي يكون باعثها الطمع والكراهية والوهم هي أفعال سيئة («أكوسالا»، بالسنسكريتية: «أكوشالا»)، بينما الأفعال التي يكون باعثها عكس هذه الصفات - أي عدم التعلق والإحسان والفهم - تكون أفعالا جيدة («كوسالا»، بالسنسكريتية: «كوشالا»). ورغم ذلك، فالمضي قدما نحو التنوير ليس مجرد مسألة تحل بنيات طيبة؛ فالشر أحيانا من الممكن أن يقترفه أناس يتصرفون من منطلق بواعث غاية في النبل؛ ولذلك لا بد من التعبير عن النيات الطيبة في صورة أفعال صحيحة، والأفعال الصحيحة في الأساس هي تلك التي لا تسبب الضرر للنفس أو للآخرين. أما الأفعال التي لا تلبي هذين المطلبين فهي محظورة بموجب مجموعة مختلفة من القواعد التي سنقول عنها الكثير عند مناقشة الأخلاقيات.
صفحه نامشخص