بودیسم: مقدمهای بسیار کوتاه
البوذية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
يقدم أحد النصوص المهمة التي تحمل عنوان «خطبة الرحيل الكبير » سردا للأحداث في الشهور القليلة السابقة على وفاة بوذا. وفي ذلك الوقت كان بوذا قد ناهز الثمانين من عمره وتدهورت صحته، لكنه استمر في ترحاله سيرا على الأقدام مثلما فعل طوال حياته، معتمدا على قدراته العقلية في كبح آثار الوهن الذي انتابه. وفي هذه المرحلة ظهرت الحاجة إلى اتخاذ عدة قرارات مهمة تمثلت في التساؤلات التالية: هل سيعين خليفة له؟ من سيقود الجماعة بعد رحيله؟ وفي حوار مع أناندا، ابن عمه وخادمه الشخصي المخلص، قال بوذا إنه لا توجد حاجة لخليفة له لأنه لم يعتبر نفسه قط «قائد» الجماعة. وبدلا من ذلك، يجب أن تبقى تعاليم الدارما هي الدليل بعد رحيله، ويجب أن يتمسك الرهبان بها بقوة، وأن يتمسكوا كذلك بمجموعة قواعد «فينايا» التي أرساها لإدارة حياة الرهبان. علاوة على ذلك، نصح كل شخص بأن يفكر بنفسه في الأمور المتعلقة بالعقيدة، وأن يقارن وجهات النظر والآراء بالنصوص المقدسة قبل أن يقرر قبولها أو رفضها. واتباعا لنصيحة بوذا، لم يظهر مطلقا مصدر سلطة مركزي في البوذية فيما يتعلق بأمور العقيدة، ولا توجد مؤسسة أو هيئة مخولة بإعلان مبادئ أو معتقدات للدين ككل.
توفي بوذا في بلدة صغيرة اسمها كوشينارا، مستلقيا على جنبه الأيمن بين شجرتي تين، وتقول النصوص المقدسة إن هاتين الشجرتين أزهرتا في غير موسمهما على نحو خارق للعادة. وعلى الرغم من أنه يقال غالبا إن بوذا مات بسبب تسمم الطعام بعد تناول وجبة لحم خنزير قدمها له أحد أتباعه من العوام، فإنه من الواضح من خلال الرواية المذكورة في «خطبة الرحيل الكبير» أن الوفاة حدثت في وقت لاحق، ومن الواضح أنها كانت لأسباب طبيعية. وأعطى بوذا توجيهات بأن تحرق جثته وأن تعامل مثل رفات ملك عظيم (شاكفاتي)، وذلك بأن تحفظ في ضريح مقدس على شكل جرس يعرف باسم «ستوبا» (بالبالية: «توبا») بحيث يمكن استخدام هذا النصب كمكان لتقديم العطايا والتعبد. وقبل وقت قليل من وفاته، جمع بوذا الرهبان ومنحهم فرصة لطرح أسئلة أخيرة. ولم يطرح أي منهم أي سؤال ، وهذا يشير إلى أنه في ذلك الوقت كانت كل تعاليمه مشروحة بالكامل ومفهومة على نحو جيد بين أتباعه. وبعد ذلك نطق بوذا كلماته الأخيرة فقال: «الفناء متأصل في كل شيء؛ فاحرص على أن تسعى جاهدا بذهن صاف (للوصول إلى النيرفانا).» وبعدها في سكينة وهدوء مر بمستويات عديدة من الغشية التأملية (جاهانا) قبل أن يدخل النيرفانا النهائية.
الفصل الثالث
الكارما والميلاد المتكرر
تقول النصوص إن بوذا في ليلة حصوله على التنوير اكتسب القدرة على تذكر حيواته السابقة. ويقال إنه لم يتذكر حياة واحدة أو اثنتين فحسب، بل تذكر عددا هائلا من الحيوات، بالإضافة إلى التفاصيل المتعلقة باسمه وطبقته ومهنته، وهكذا كانت الحال في كل حياة. وفي مواطن أخرى يقول بوذا إنه استطاع تذكر «ما يعادل إحدى وتسعين فترة من فترات حياته السابقة» (كتاب ماهايانا)، وإحدى هذه الفترات تساوي تقريبا عمر مجرة. وعلى الرغم من أن العقيدة البوذية تقول إن بداية عملية الولادة المتكررة، وكذلك نهايتها، لا يمكن معرفتها على وجه التحديد، فمن الواضح أن عدد مرات الولادة المتكررة للشخص هو عدد غير نهائي. وتعرف عملية الولادة المتكررة باسم «سامسارا» أو «التجوال اللانهائي»، وهو مصطلح يوحي بالحركة المستمرة مثل جريان النهر. وكل الكائنات الحية جزء من هذه الحركة الدائرية المتكررة، وسوف تستمر الولادة المتكررة لهذه الكائنات إلى أن يحصلوا على حالة النيرفانا.
لم تنشأ فكرة تناسخ الأرواح مع البوذية، بل كانت موجودة في الهند منذ عدة قرون قبل عصر بوذا. وهذا المعتقد مألوف في كثير من الثقافات، وكان منتشرا في الغرب قديما قبل أن ينظر إليه باعتباره متعارضا مع العقيدة المسيحية في حوالي القرن السادس. ورغم ذلك، فمعتقدات الهند المتعلقة بالولادة المتكررة تتسم بطبيعة مميزة بسبب ارتباطها بمعتقد الكارما، وينص هذا المعتقد على أن ظروف الولادات المستقبلية تتحكم فيها الأفعال الأخلاقية التي يقوم بها الشخص في حياته الحالية. وللكارما (بالبالية: «كاما») أهمية أساسية في المعتقد البوذي، ومن أجل فهمها لا بد من استعراض مجموعة من المفاهيم الوثيقة الصلة والمتعلقة بتصور الكون والزمن .
الكون من المنظور البوذي
يقسم المعتقد البوذي الكون إلى قسمين: قسم الكون المادي، ويعتبر وعاء أو «حاوية» (بهاجانا)، وقسم «الكائنات» (ساتفا) أو أشكال الحياة المقيمة فيه. ويتكون الكون المادي من تفاعل العناصر الخمسة، وهي: الأرض والماء والنار والهواء والفضاء (أكاسا). والعنصر الأخير من هذه العناصر، أي عنصر الفضاء، يعتبر عنصرا مطلقا، وينظر إليه في الفكر الهندي على أنه ليس مجرد غياب للعناصر الأربعة الأخرى لكنه عنصر في حد ذاته. ومن خلال التفاعل بين العناصر الخمسة تتكون «أنظمة العالم» (وهو تقريبا مرادف لمفهوم المجرة في وقتنا المعاصر)، تلك الأنظمة الموجودة في جميع الاتجاهات الستة للكون (الشمال والجنوب والشرق والغرب والأعلى والأسفل).
ويعتقد أن أنظمة العالم تشهد دورات تطور واضمحلال تستمر لمليارات السنين؛ فهي تأتي إلى الوجود وتستمر لبعض الوقت، ثم تتحلل تدريجيا قبل أن تدمر في كارثة هائلة. وفي الوقت المناسب سوف تتطور مرة أخرى لإكمال دورة كبيرة تعرف باسم «الفترة الكبرى». وبطبيعة الحال، الكائنات التي تسكن هذه الأكوان المادية تتأثر بهذه الأحداث، وبالفعل يوجد اعتقاد بأن الحالة الأخلاقية للسكان تحدد مصير نظام العالم؛ فالعالم الذي يسكنه أشخاص جهلاء وأنانيون على سبيل المثال سوف ينهار بمعدل أسرع من العالم الذي يسكنه سكان حكماء وفضلاء. إن فكرة أن الكائنات ليست مجرد رعاة للطبيعة، بل تخلق الطبيعة إلى حد ما، لها انعكاسات مهمة على الفكر البوذي بشأن النظام البيئي.
سيكون واضحا بالفعل أن الكون في البوذية يختلف في جوانب مهمة عن الفكر الديني السائد في الغرب؛ فسفر التكوين يصور الخلق كحدث فريد، ويعلمنا الكتاب المقدس أن العالم سوف ينتهي يوم القيامة. وبين هذين الحدثين انفتحت في الأبدية نافذة زمنية مؤقتة، وخلال هذه النافذة تحدث دراما مسرحية فريدة؛ دراما السقوط والخلاص. وهذه الدراما هي ما يشكل «التاريخ» الذي يتكون من مجموعة أحداث خطية تقدمية بوجه عام. وفي هذه الدراما (النسخة العلمانية منها تستعيض عن الخلاص ب «التقدم») تكون العلاقات الإنسانية هي دائما المحور. ولعل أوضح مثال لهذا التصور هو الاعتقاد الذي كان سائدا في علم الكونيات قبل كوبرنيكوس الذي كان يضع الأرض في مركز الكون. على الجانب الآخر، ترى وجهة النظر الهندية أن مثل هذا التصور عن العالم يتسم بالتمركز حول الإنسان وبضيق الأفق؛ فالأرض ليست على الإطلاق المركز الذي يدور حوله الكون، والبشر ليسوا الممثلين الوحيدين على المسرح. علاوة على ذلك، يرى المنظور الهندي الزمن دائريا وليس خطيا؛ فالتاريخ ليس له اتجاه أو غرض شامل، وقد تكرر أنماط متشابهة من الأحداث نفسها مرات عديدة.
صفحه نامشخص