بوسای فی عصور اسلام
البؤساء في عصور الإسلام
ژانرها
وتناول الرسم الفوتوغرافي رسما أو اثنين هما آخر ما عثرنا عليه من المؤلفات المصدوقة مرسومة بالفوتوغرافية، وإلى هنا أقف عند هذا الحد مقتصرا على ذلك، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
القسم الأول
علل البؤس
البؤس «البؤس» من حيث تعريفه: دمار عاجل، وموت أدبي، ترتاع منه النفوس، وترتعد عند ذكره الأبدان. وهو الغاية التي تزعزع أركان العالم، وتحول القلوب عن أغراضها وميولها، وتجندل الشجعان من غير حرب، وتجعل القادر عاجزا. وربما انقلبت إلى العكس؛ فتهب للعاجز قوة ونشاطا لينتقم من نفسه أو من غيره ليستريح من عوارض الأقدار. والبؤس والأمل ضدان؛ إذا استقوى أحدهما على الآخر ظهرت النتيجة واضحة. ويتضح من ذلك أن اليأس إذا استقوى على الأمل كان البائس من أتعس خلق الله تعالى وأشقاهم، وأصبح الموت إليه أمنية تتوق إليها نفسه؛ فتجده مستبسلا في مواقف الإعدام بغير مبالاة ولا حذر، ولا خوف ولا فزع.
وأما إذا تغلب الأمل على اليأس نفخ الله تعالى في روح هذا البائس أملا يبدد شكوك أوهامه؛ فينشط من عقال اليأس، ويخرج من وهدة الخمول؛ طارحا رداء الكسل والقنوط. وسامرته الأحلام اللذيذة والأوهام المفرحة؛ فيشيد من الأوهام قصورا، ومن الآمال حصونا، ويشعر وكأن الأماني قد انقادت له؛ فيظل متعللا بها، وينتظر ما ستجيء به الأيام يوما بعد يوم، وكأنما تلك الأوهام خففت عليه ويلاته؛ فيناجي السعادة، ويتسلى بتلك التصورات الشائقة التي صار يأتنس بها، وصارت تشجيه وتلهيه، ولو أنها لا تشفيه ولا تنفعه، ويقول - معللا نفسه: «إن المستقبل كفيل براحة الإنسان.»
مع أن الحقيقة فيما قالت الحكماء: «لا يأس مع الأمل، ولا أمل مع اليأس.» وهيهات أن ترى بائسا إلا والقنوط أول دعاويه، وهو العلة التي يبني عليها أسباب يأسه وبؤسه، ولم يقتصر على ذلك حتى يتهم الأقدار في دعوى اعتلاله. «ومن البؤساء» قوم ينسبون أسباب بؤسهم للذات العلية، معترضين على سوء حالهم وسعادة غيرهم.
وهيهات أن ترى بائسا في مكان إلا والشقاء مخيم عليه، وعواصف الأقدار تلعب به كريشة في مهب الريح، لا تستقر على حال، ولا تدري إلى أي جهة أو هاوية تلقيها العواصف.
وكثير من البؤساء عندما يشتد بهم البؤس؛ يرغبون في الموت بكل وسيلة، ويناجون الهلاك بوجدان شديد، وشعور غريب؛ فتنطمس أمامهم الحقائق، وتصغر العوالم، وتضيق عليهم الدنيا على اتساعها؛ فيزدرون بالكون وعظمته، والدنيا وبهجتها، والمجد وأبهته، والسلطان وصولته، وتغيب عنهم الذاكرة فيجحدون الخالق والمخلوق، ويشذون عن طبيعتهم، وينكرون المطامع والآمال، ويرسخ في اعتقادهم أن الله اختصهم بالبؤس دون الناس؛ لأنه تركهم وتخلى عنهم. ثم يعودون إلى هداهم؛ فيعلمون أن الدنيا متاع غرور، وهناء موهوم، وأمل كاذب، وسرور باطل، وظل زائل، يمقتها اللبيب ويحتقرها العاقل.
والبؤس على كل حال مميت الشعور، مذهب الإحساس، مدل على الموت، مجلب للفناء والهلاك. ولهذه الأسباب أصبح البائس يتشجع للردى، ويستهدف للحتف، ويحن إلى الموت، ويعبث بالأهوال، وما هي غير فترة ثم تراه حاقدا على نفسه، ناقما على غيره، ويشعر أن حياته أصبحت حملا ثقيلا عليه، كأنه عالة على المجتمع الإنساني، وتصبح تلك الحياة لا قيمة لها عنده، وتتسرب إلى مخيلته فكرة الموت؛ فيستنبط الحيل التي تسهل له طريق الانتحار، ومتى تهيأت له هذه الحيلة سعى في تنفيذها ليستريح من عذابه، غير هياب من الموت وشناعة الانتحار، وسيان عنده إن لامه الناس أو عذروه، أو أصبح في أفواه الجميع سبة إلى الأبد؛ فيقابل الموت بوجه طلق، ويعاني حشرجته بثغر ضاحك ما تعود الابتسام في ساعة القنوط. وقد جاء في أمثال الحكماء: «خف من البائس فإنه لا يخاف.»
وقال بعضهم:
صفحه نامشخص