بوسای فی عصور اسلام

محمود کامل فرید d. 1450 AH
30

بوسای فی عصور اسلام

البؤساء في عصور الإسلام

ژانرها

إن ضاق رزق تجد في الأرض مقترحا

قلت انظروا الريق في الأفواه مختزنا

عذبا فإن بان عنها صار مطرحا

فعارضه في ذلك بعض نصحائه، وحتم عليه بوجوب السفر، وحرضه بعضهم بقوله:

عود ركابك كل يوم منزلا

وتنقلن كي لا تمل وتضجرا

فالماء يعذب ما جرى وتلاطمت

أمواجه فإذا أقام تغيرا

فأطاع وهجر وطنه، ورمته المقادير بأرض العراق.

فصار في نكد؛ يكافح النوب، تارة يشبع وتارة يجوع، وهو لا يعرف حيلة يتوصل بها إلى جلب الرزق، اللهم إلا قوت يوم بعد يومين، ولم يتمكن من شراء كساء يستر جسمه حتى صار في حالة يرثى لها من الفقر المدقع والبؤس الشديد، يمر بين الناس ممزق الثياب حافي القدمين مدة سبع سنوات. ففي سنة «945 هجرية» اتصل بخدمة الأمير محمد الطرابلسي؛ فرق له وأنعم عليه، ورتب له راتبا يتقاضاه ويتعيش منه، ولما توسم فيه النجابة والذكاء والتقوى ألحقه بخاصته، ولم يدم عليه هذا الحال طويلا حتى عزم الأمير على الحج إلى بيت الله الحرام، وأمر بشد الرحال، وأخذ معه أبا عبد الله. ولما أصبحوا على عدة أميال من المدينة عسكرت القافلة تلك الليلة هناك، وفي الصباح قام أبو عبد الله مبكرا ليوقظ مولاه لصلاة الفجر، ويتأهبوا للرحيل مع القافلة، فوجده قتيلا على فراشه؛ فارتاع روعة شديدة، وحصل عنده رعب شديد. وفيما هو في ذهوله حضر بعض الخدم فأبصر الأمير مجندلا، وأبو عبد الله في ذهوله، فألقى عليه جريمة القتل، وصاح بالنجدة ؛ فحضر الناس وأوسعوا ابن الصباغ ضربا وقدموه إلى رئيس القافلة؛ فأمرهم باعتقاله بعد أن ضربه ألف سوط، وصرح بدفن جثة الأمير. ولما دخلوا المدينة سلموه للوالي ليقتص منه ويحاكمه، ولما لم يجد الوالي ما يثبت التهمة عليه أمر بإيداعه السجن. ثم تنوسي أمره فاستمر في سجنه عاما كاملا. ثم تغيرت الأحوال، وعزل الوالي؛ فأطلقوا سراحه، فخرج من السجن خالي الوفاض، فدار في أزقة المدينة يوما لم يتناول فيه طعاما، وأمسى عليه الليل فصار يبحث عن مأوى ينام فيه. وبينما هو يجول حول البيوت وجد امرأة تبكي على باب دارها، فسألها عن سبب بكائها فأخبرته أن زوجها يحتضر، وليس عندها أحد؛ فتعهد بمواساته معها، وأقام ليلته في خدمة المريض. وفي الصباح قضى الرجل نحبه، فجهزه مع المرأة ودفناه. ولما عادا من المقبرة إلى البيت؛ أكرمت المرأة وفادته، ورغبت في وجوده معها؛ فأطاع ومكث عندها إلى أن انتهت مدة العدة أربع أشهر وعشرة أيام، فوجدت فيه مع طول المدة التي عاشرته فيها خصالا كريمة تدل على نبله، وشرف محتده؛ فعرضت نفسها عليه وتزوجت به. وكانت المرأة ذات مال كثير وجمال وأدب، فقدمت له ثروتها ليستثمرها، وكلفته أن يمتهن حرفة التجارة ويطلق العلم؛ فأطاع. وتاجر فربح ربحا عظيما، وصار ذا ثروة وافرة، حتى إن أقرانه اعتبروه من مشاهير تجار عصره. وظن أن الدنيا قد ابتسمت له، وزالت أوقات نحسه، وأيقن بالسعادة بعد البؤس. ولكنه من سوء طالعه اشتاق إلى وطنه، وطلبت منه زوجته أن يعود بها إلى البلاد؛ فجمع أمواله وعبيده وسار بقافلته يقصد الأوطان. وبينما هو في طريق الصحراء خرج عليه كمين لصوص فتمكنوا من نهب القافلة، وقتل العبيد والرجال، وفي الأثناء أصيب أبو عبد الله بطعنة رمح في جنبه ألقته على الأرض بين حي وميت، فتركه اللصوص على حالته بعد أن شتتوا العبيد والرجال، وأخذوا المرأة والأموال، وفروا هاربين.

صفحه نامشخص