والشكل هو الذي يعنى به في كل شيء وقبل كل شيء، فيقول لأخيه الملازم آنئذ: «لا تكتب إلى المنزل بقسوة، فبلاط كنيبهوف أكثر استعدادا للكياسة السياسية والمدالسة
8
الدبلمية مما للغلظة العسكرية.»
ويكلف المظهر والملبس وطراز العيش مالا كثيرا، فلما قضى سنة في الجامعة «حدثت أمور غير مستحبة بيني وبين والدي الذي كان يرفض أداء ديوني ... وما كانت قلة النقد بالأمر الخطير ما دمت أتمتع باعتبار مالي واسع أستطيع أن أعيش به داعرا، والمسألة هي أنني أبدو شاحبا مريضا، فإذا غدوت في البيت في عيد الميلاد عزا والدي ذلك - بحكم الطبع - إلى قلة الغذاء، فأصرح له إذ ذاك مؤكدا مندفعا بأن اعتناقي الإسلام أحب إلي من موتي جوعا، ويقضى الأمر.» أفلم يولد التلميذ الذي يكتب ذلك دبلميا؟ فما ترى من مداراة الرجال ووزن الأسباب واستغلال الوضع وتسويغ كل عمل مع جعل الخصم مسئولا فينطوي على جميع عناصر الدبلمية، ولم تكن الأم التي أضناها سلوك ابنها لتدرك وجودة غريزة صادقة توجه طموحها من أجل أوتو.
ويعود إلى المنزل ذلك الفتى، البالغ من العمر ثماني عشرة سنة، مريضا مضنى فاقد النشاط، كالشاب غوتة، فيسترد عافيته بفضل راحته الريفية وأطعمته البيتية، فيريد أن يستمر على دراسته، ببرلين في هذه المرة مع سابق قنوط أمه منه «وأمي تفضل الآن أن ألبس البزة العسكرية الزرقاء وأهرع إلى الدفاع عن الوطن في باب الهال؛ وأنهض من الفراش متأخرا في هذا اليوم، فألوح لها راغبا عن أية دراسة كانت.» أجل، إنه راغب عنها، غير أنه رغبته في البزة العسكرية أقل مما في الدراسة، ويعاشر ابن عم له اسمه بلانكنبرغ ويعاشر رون الشاب، ويلاقيهما بعدئذ في أحسم الأوقات، ولكن مع بقاء كيزرلنغ وموتلي رفيقيه المفضلين، ويسكن مع موتلي، ويسر إذ يرى هذا الأمريكي لابسا قبة على طريقة بايرون مع شيء من الألمانية، فيترجم فاوست أو حين يركز هذا الأمريكي رجليه على قضيب النافذة فيرى الناس من الأسفل خفه الأحمر، ولا يفقد بسمارك وعيه إلا بعد أن يكون قد جادل صديقه ذلك هزيعا
9
من الليل، فيلجأ هذا الصديق في الصباح إلى البحث حول «إمكان مقايسة بايرون بغوتة»، وما يتصف به موتلي من الجمال والنجل
10
والظرف والأنس، فكان يجذب إليه الألمان. وقل مثل هذا عن كيزرلنغ الذي كان بسمارك يعجب بحسنه وألفته ونبوغه في العزف على البيان أكثر مما بذكائه، والحق أنه كان يستطيع أن يدق على ألحان بتهوفن عدة ساعات. وألحان بتهوفن هي التي كانت تحرك ساكن ذلك التلميذ المنهوك.
ويلوح أنه لا دواء لبسمارك، ولا يتفلت شيء من هزوئه حتى نفسه على الأقل، ويقول في كتاب إلى صديق له: «أنتظر فأعيش هنا كنبيل وأغدو ذخرا ثمينا وأتكلم الفرنسية كثيرا وأقضي معظم وقتي في شئون زينتي وأقضي ما يبقى منه في الزيارات وفي صحبة صديقتي القديمة القنينة، وأقضي المساء في الصف الأول من دار التمثيل فأبدي أقصى ما يمكن من المجون ... وهكذا أتبرم بما فيه الكفاية ... ومن غوتنجن تجد هنا ذلك المكسال (ش)، وهنا تجد دوحة
صفحه نامشخص