من الصور، فيجب وصفه بمثل ما في هذه الصور. وبسمارك هو الذي أحاطته شحناء الفرق منذ ثمانين سنة بضياء البرق، وبسمارك هو الذي أحب قليلا في حياته؛ لما كان من قلة حبه للآخرين، وبسمارك هو الذي قضي عليه بعد مماته بأن يبدو تمثالا؛ لما كان من عسر اكتناه سرائره، فكان بين الألمان كرولان
3
منحوتا من صوان.
وغرض هذا السفر هو وضع صورة لمناضل ووصف انتصاراته وغواياته،
4
وفي هذا السفر سيوصف بسمارك بصاحب سجية مملوءة بما صدرت عنه أفعاله من عجب وشجاعة وحقد. وبينما ترى اليوم فريقا من الألمان يغالي في تمجيد بسمارك ترى فريقا آخر يدينه. ونحن نرى أن ندرس حياته درسا عميقا ما قررت هذه الحياة مصير ألمانية وما وجب على الألمان معرفة خلقه كما هو لا كما شوهه ما دار حوله من التقديس والتدنيس.
ورجل التاريخ ذلك هو، على الدوام، أحكم من طريقته وأعقد من صورته. ولا نجد أن نسير على غرار المحافل العلمية فنثقل وصفه بالحواشي والمذكرات، بل يجدر بزماننا أن تعرض الأخلاق العامة فيه عرضا ماثلا، وأن يستخرج منها للعالم بأسره مثل ودرس، والمرء رجلا يتعذر فصله عنه قطبا سياسيا، فمشاعره وأعماله متلازمة متفاعلة، وحياته الخاصة وحياته العامة كلتاهما متسايرة متجارية. وواجب المتفنن هو في صنع الشيء الواحد من المواد التي يأتي بها الباحث الفاحص.
وقف نشوء حياة بسمارك الخاصة في الثلاثين من عمره تقريبا، واحتمل في خمس عشرة سنة من ذلك أعنف هياج واضطراب، ولم يحدث بعد ذلك سوى عمق في خطوطه الأصلية؛ فمن أجل هذا يجب تفصيل وصف شبابه، أي دور محياه
5
غير السياسي، وقد اقتصرت تراجمه على بضع صفحات عن هذا الدور.
صفحه نامشخص