«والآن أنا وزير هنا، أنا السهم الأخير في الكنانة، فإذا أردتم إقامة إمبراطورية سكندينافية أردت إقامة الوحدة الألمانية، وهنالك نؤلف جامعة ألمانية سكندينافية تكون من القوة ما نسيطر به على العالم، ولا عجب فديانتنا واحدة وثقافتنا واحدة، ولا نكاد نختلف لغة، فأرجو أن تبلغ بني قومك قولي إنهم إذا لم يوافقوا على خططي اضطررت - على ما يحتمل - إلى إبطال عملهم لكيلا يوجد عدو ورائي عندما يعن لي مهاجمة جهات أخرى.»
بذلك الكتاب الغريب يبدو بسمارك ممازحا صديقه القديم المرسل إليه، ممازحا رفيقه السابق في الصيد بدانيماركة، ولنا أن نفترض أن المرسل إليه في كوبنهاغن، البارون بليكسن، قرأه مرتين؛ وذلك لأنه رئيس الوزارة الدانيماركية، ولأن لدى الدانيماركيين من الأسباب الوجيهة ما يرقبون به الجو الألماني في الزمن الراهن، ولو كان يعرف بسمارك لوجب عليه أن يعرف أنه ليس ذا خنزوانية
1
أو ذا خيال، بل هو حاسب واقعي، وليست تلك الفكرة سخيفة كما قد تبدو أول وهلة، فارجع البصر إلى ما هو أقل من خمسمائة سنة تجد بلاد سكندينافية الثلاثة كانت موحدة وأن أميرها كان من أصل بوميراني، وذلك الكتاب أكثر من دعابة، وقد يكون إنذارا، وبسمارك إذ كان لا يحاول نيل غير الممكن، وبسمارك إذ كان لا يسعى إلى بهر الذراري كما كان يصنع نابليون الأكبر؛ لا يهدف ما قاله اليوم إلى سوى شليسويغ وهولشتاين.
كان ذانك البلدان الصغيران شوكة بجانب ألمانية، وإن شئت فقل حافزين لألمانية نحو الوحدة منذ خمسين سنة، فلما أراد ذانك البلدان أن يظلا متحدين إلى الأبد نقبت أوروبة في المعاهدات التي ترجع إلى أربعة قرون والتي لا تهم أحدا، والتي لا تهم حتى أهل شليسويغ وهولشتاين أنفسهم، وقد أعمل الناس أذهانهم حول الذكور والإناث من ورثة ملوك دانيماركة ودوكات هولشتاين؛ وذلك لأن أحد أولئك الملوك مات الآن، فوجب على وارثه أن يحلف يمين الولاء للدستور الجديد في شليسويغ وهولشتاين كما في غيرهما، فأدى هذا إلى تصادم القوميات المتناظرة هنالك، فوجد ابن دوك أوغوستنبرغ الذي تنزل أبوه عن بلده في مقابل مليوني تالير ثغرة في عقد تخلي أبيه، فرأى أن يفيد من النزاع القائم فتسرب في بلد آبائه فكتب بيانا بدأه بكلمة «رعاياي المخلصين»، ونادى بنفسه دوكا لشليسويغ وهولشتاين.
وكان يرقب الأمر عن كثب ذلك البروسي المخيف الذي لم يبال بألمانية ذينك البلدين؛ أي بأن يغدوا عضوين في الجامعة الألمانية لما يسفر عنه هذا من زيادة عدد أعداء بروسية، وبسمارك يود رفع شأن بروسية، وبسمارك مع أنه كان يعرف كيف يستغل ما ينعش بعض أهل الشمال أولئك من غيرة نحو الوحدة الألمانية لم يفكر في غير دستوره القائل: «ما السبيل إلى تحويل الدوكيتين إلى ولايتين بروسيتين؟» ويبدو تلخيصه الكلاسي
2
للأمر في الكلمة الآتية وهي: «إن اتحادا شخصيا مع دانيماركة خير من الأمر الواقع، وإن أميرا مستقلا خير من الاتحاد الشخصي، وإن اتحادا مع بروسية خير من الأمير المستقل، والحوادث وحدها هي التي تثبت أي الأمور الثلاثة هو الذي ينال»، وبسمارك - لمكيافيليته - ظاهر دانيماركة في البداءة، ثم ظاهر أوغوستنبرغ ضد دانيماركة، ثم ظاهر النمسة، وذلك كله رجاء الفوز في نهاية الأمر.
وإذا لم يكن ذلك نتيجة خطة فكر في جزئياتها مقدما كان ذلك - على كل حال - قلادة لؤلؤ فتل سمطها،
3
صفحه نامشخص